ضـعـف الأدب في هذا العصر و يـرجـع ذلك إلى الأسباب الآتية: اضطراب الحياة السياسية،و سوء الأحوال الاقتصادية،و الاجتماعية،و عدم تشجيـع الخلفاء،و الحكام للشعراء بالمنح،و العطايا،و ضياع مجموعة من الكتب،و الدواوين خلال هجمات الصلبيين،و المغول،و كذلك إلغاء
ديوان الإنشاء إبان الحكم التركي.
و نتـيـجة للظروف السابقة تضاءل عدد الشعراء،و انصرف معظمهم إلى حرف يـشتـغلون بها،فكان منهم الجـزار،و الخـباز،و العطار،و ضاقت بهم سبل العيش في عصر أنكر فضلهم.يقول أحدهم: أسفي على الشعراء إنهمُ على حـالٍ تـثـيـر شمـاتـة الأعـداء
خـاضـوا بــحـور الـشعــر إلا أنـهـا ممّا تـريـق وجوههم من ماء
و عندما انصرف الشعراء الموهوبون عن قول الشعر ظهر كثير من المتطفلين الذين لا يملكون مواهب أصيلة،فكانوا أشبه بالفقاقـيـع التي
تطفو على سطح الماء،ثم لا تلبث أن تتلاشى.
ومع قلة الشعراء المقتدرين كان الجيد من إنتاجهم قليلا.وداروا في دائرة ضيقة من أغراض الشعر.فقل المدح لعدم وجود المكافئين عليه
و ضعفت العصبية التي تدعو إلى شعر الفخر،و تضاءلت قصائد المجون في جو القلق،و ضيق العيش.
هذا و قد غرق بعض الشعراء في تصوير المتع الحسية هروبا من واقهم الأليم،و تطلّع آخرون إلى نعيم الآخرة يلتمسون فيه التعويض عن حرمانهم فكثر شعرهم في الزهد،و المدائح النبوية،و التصوف.و مع ذلك فقد أنجب هذا العصر مجموعة من الأدباء من بـيـنـهم البوصيري،
و صفي الدين الحلي،و ابن نباتة،و ابن خلدون.
خصائص أدب عصر الضعف 1 ـ قلة الفنون الأدبية إذا قورنت بالعصور السابقة فقد انحصر النثر في الكتابة الديوانية،و الرسائل الإخوانية،و النثر العلمي.و اقتصر الشعرعلى الشعر الغنائي،و نظم العلوم كألفية ابن مالك.2 ـ ضاقت دائرة الموضوعات التي تناولتها الفنون الأدبية فغلب على الشعر تياران التيار الديني،و تيار اللهو،والمجون.كما لجأ الشعراء إلى التأريخ بالشعر.فكان الشاعر يستعمل كلمات لكل حرف من حروفها رقم حسابي،و مجموع الحروف في الجملة يدل على تاريخ معيّن.من ذلك ما قاله الشبراوي في رثاء أحمد الدلنجاوي المتوفي عام 1123م: فقلت لمن أراد الشعر قصّر فقد أرخت"مات الشعر بعده"أ
ب
ج
د
هـ
و
ز
ح
ط
ي
ك
ل
م
ن
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
20
30
40
50
س
ع
ف
ص
ق
ر
ش
ت
ث
خ
ذ
ض
ظ
غ
60
70
80
90
100
200
300
400
500
600
700
800
900
1000
3 ـ أما الموضوعات النثرية فقد طغى عليها النثـر العلمي،و كانت جهود علماء عصر الضعف في هذا الفن تـعـتـمد على جمع،و تـدويـن ما خلفه السابقون،و لم ينل النثر الفني حظًا على أيديهم.4 ـ كانت المعاني قليلة،فكان الأديب يأتي بحشد كبير من الألفاظ ليعبر عن معنى قليل،و يكرر المعاني،و يدور حولها.5 ـ لم يحسن بعض أدباء هذا العصر استخدام الصور البيانية استخدامًا يفيد في توضيح المعنى،أو إجلاء العاطفة.كقول أحد الشعراء: كأنهم و الماء من حولهم قوم جلوس حولَهم ماءُ
5 ـ يبدو أن أدباء هذا العصر شعروا بعجزهم عن التجديد في المعنى فاتخذوا من التنميق اللفظي بديلاً يفتخرون به،و يتفننون فيه،فكثرت
المحسنات البديعية في غير موضعها.و اشتد الإعجاب بالتورية يتباهون بأنها من خصائص عصرهم.يقول نصر الدين الحمامي:
جودوا لنسجـع بالمديـح على علاكم سرمدا
فالطير أحسن ما يـغـرّد عنـدمـا يـقـع الـنـدا
و تبارى ابن نباتة مع الصفدي في تضمين أعجاز معلقة امرئ القيس.فكتب الصفدي إلى ابن نباتة:
أ في كل يوم منك عَتْب يسوءني كجلمود صخر حطه السيل من علِ
و ألزم بعض الشعراء نفسَه بما لا يلزم.فكتب صفي الدين الحلي قصيدة بدأها بحرف القاف،و التزم به في أول كل بـيـت،و آخره من أبيات القصيدة.قال: قفي و دعيـنا قبل وشك الـتـفـرق فما أنا من يحيى إلى حين نلتقي
قضيتُ و ما أودى الحِمام بمهجتي و شبت و ما حلّ البـياض بمفرقي