لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الإيمان الذي يُقبِل العبد به على ربه، خوفا ورجاء، محبة وحياء، يفجر فيه طاقات لم تكن لتظهر إلا به، وليس أدل على ذلك من الجيل النبوي الفريد، أعني الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فليس هناك من فرق مادي بين حالهم قبل البعثة وحالهم بعدها، وإنما كان الفرق في الإيمان والعقيدة فحسب، فمن أراد أن يعلم أثر الإيمان، فليتأمل ذلك مليا، فكل ما سيجد من فروق إنما هي أثر من آثار الإيمان، وإلا فكيف لأمة عاشت في ضلال مبين، ورتعت في أرجاس الجاهلية قرونا متطاولة، أن تكون خير أمة أخرجت للناس والحقيقة أن ذلك لم يكن ليحصل إلا بالإيمان الذي يصنع العجائب ويفجر الطاقات.
قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. {آل عمران: 164}.
وقال عز وجل: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. {الجمعة: 2}.
فالإيمان إذا تمكن في القلب، وسيطر على السلوك، ووجَّه العبد في مبادئه وأهدافه وأولوياته، وحمله مسؤولية دينه وأمته، وجعلها أمانة في عنقه، فحدِّث عن آثاره وثماره ولا حرج.
ولنضرب على ذلك مثلا بموقف الأنصار قبل الهجرة، فإنهم لما آمنوا اجتمعوا فقالوا: حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف؟ ثم رحلوا إلى مكة يريدون أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما لقوه قالوا: يا رسول الله علام نبايعك؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة.
فلما قاموا ليبايعوه قال لهم أسعد بن زرارة وهو أصغرهم سنا: رويدا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله عز وجل، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند الله. فقالوا: يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. فبايعوه. رواه أحمد، وصححه الأرنوؤط.
فهكذا نرى ما فعله الإيمان في نفوس هؤلاء الخيار، ولا يختلف الحال هنا عن حالهم في كافة الغزوات والمعارك والمواقف التي شهدوها مع النبي صلى الله عليه وسلم. والشاهد أن هذا الذي تحملوه وبذلوه إنما فعلوه بدافع الإيمان لا غير. وقد سبق لنا بين شيء من آثار الإيمان في حياة المسلم، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 38814 ، 115393 ، 117997 .
والله أعلم.