تبلــــبالـــة
تبلــــبالـــة
تبلــــبالـــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
إمرأة العزيز:   725933269
إمرأة العزيز:   408839496
إمرأة العزيز:   646533344
إمرأة العزيز:   966464772
إمرأة العزيز:   353133476
إمرأة العزيز:   856590118
إمرأة العزيز:   265406003
إمرأة العزيز:   305971779
إمرأة العزيز:   289360463
إمرأة العزيز:   660447902
إمرأة العزيز:   410280926
إمرأة العزيز:   554379707
إمرأة العزيز:   147050375
إمرأة العزيز:   856175317
إمرأة العزيز:   375679719
إمرأة العزيز:   644486156
إمرأة العزيز:   217742477
إمرأة العزيز:   937093809
إمرأة العزيز:   785148045
إمرأة العزيز:   269036034
إمرأة العزيز:   998154383
إمرأة العزيز:   279192771
إمرأة العزيز:   998154383
إمرأة العزيز:   313813701
إمرأة العزيز:   883769838
إمرأة العزيز:   857173928
إمرأة العزيز:   960154133
إمرأة العزيز:   961691649
إمرأة العزيز:   553003466
إمرأة العزيز:   674856862
إمرأة العزيز:   396904883
إمرأة العزيز:   146390467
إمرأة العزيز:   322217315
إمرأة العزيز:   348085378
إمرأة العزيز:   993700236
المواضيع الأخيرة
» جميع اختبارات الفصل الثاني لجميع المواد للسنة الاولى متوسط
إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 29, 2015 5:34 pm من طرف abderezakghano

» Cd.. به حل جميع تمارين الرياضيات 4 متوسط
إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 22, 2015 12:57 pm من طرف abderezakghano

» mimoire dr fin d'étude
إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 05, 2015 3:11 pm من طرف zekraouiomar

» منظومة العبقري
إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 05, 2015 2:56 pm من طرف zekraouiomar

» تلخيص شامل لدروس العلوم الاسلامية سنة ثانية ثانوي
إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالسبت مايو 16, 2015 12:20 am من طرف alisalhi

» كيف استخرج اختبارت سنة الاولي ابتدائي
إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالأربعاء مايو 06, 2015 11:45 am من طرف sousoubelle

»  اسطوانة قسم السنة الخامسة ابتدائي
إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 23, 2014 12:16 am من طرف zekraouiomar

» للتسجيل في نهاية مرحلة التعليم الابتدائي دورة 2015
إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 23, 2014 12:13 am من طرف zekraouiomar

» امتحان شهادة نهاية مرحلة التعليم الإبتدائي في مادة اللغة العربية دورة ماي 2014
إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 23, 2014 12:12 am من طرف zekraouiomar

مواضيع مماثلة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
zekraouiomar
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
عقيلة08
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
hayet
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
جمال الدين
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
zekra.wahbi
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
سميحة
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
صوت الحق
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
مداني
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
zekra.zobair
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
mohamed08
إمرأة العزيز:   Emptyإمرأة العزيز:   I_voting_barإمرأة العزيز:   I_vote_lcap 
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 18 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 18 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 91 بتاريخ الأحد نوفمبر 03, 2024 3:23 pm
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
Place holder for NS4 only
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 2516 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو عواج بن عناق فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 6058 مساهمة في هذا المنتدى في 5470 موضوع

The Prophet Muhammad


 

 إمرأة العزيز:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mohamed08

mohamed08


الهواية : إمرأة العزيز:   Sports10
اللون المفضل لديك : إمرأة العزيز:   217725424
الشراب المفضل : إمرأة العزيز:   506060186
الآكلة المفصلة : إمرأة العزيز:   456089557
لاعبك المفضل في الفريق الوطني : إمرأة العزيز:   567839024
أختر ناديك المفصل : إمرأة العزيز:   372711302
المزاج : إمرأة العزيز:   288513112
MMS : إمرأة العزيز:   565726094
الــــدولــــــــة : إمرأة العزيز:   298142447
الجدي النمر
عدد المساهمات : 143
نقاط : 442
تاريخ التسجيل : 16/12/2010
العمر : 25

إمرأة العزيز:   Empty
مُساهمةموضوع: إمرأة العزيز:    إمرأة العزيز:   I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 22, 2010 5:15 pm

إمرأة العزيز:

{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ، وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ}.

يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه، وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه، وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب، وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه، وتهيأت له، وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها، وهي مع هذا كله امرأة الوزير. قال ابن إسحاق: وبنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر.

وهذا كله مع أن يوسف عليه السلام شابً بديع الجمال والبهاء، إلا انه نبي من سلالة الأنبياء، فعصمه ربُّه عن الفحشاء. وحماه عن مكر النساء. فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء. المذكورين في "الصحيحين" عن خاتم الأنبياء. في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وشاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله".


والمقصود أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص، فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي}. يعني زوجها صاحب المنزل سيدي {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي احسن إلي واكرم مقامي عنده {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} وقد تكلمنا على قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} بما فيه كفاية ومقنع في التفسير.

وأكثر أقوال المفسرين ها هنا متلقى من كتب أهل الكتاب فالإعراض عنه أولى بنا.

والذي يجب أن يعتقد أن الله تعالى عصمه وبرّأه ونزّهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها. ولهذا قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.

{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} أي هرب منها طالباً الباب ليخرج منه فراراً منها فاتبعته في أثره {وَأَلْفَيَا} أي وجدا {سَيِّدَهَا} أي زوجها {لَدَى الْبَابِ}، فبدرته بالكلام وحرّضته عليه {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. اتهمته وهي المتهمة، وبرأت عرضها، ونزهت ساحتها، فلهذا قال يوسف عليه السلام: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة.

{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} قيل: كان صغيراً في المهد قاله ابن عبَّاس. وروي عن أبي هريرة، وهلال بن يساف، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، والضحاك واختاره ابن جرير. وروى فيه حديثاً مرفوعاً عن ابن عبَّاس ووقفه غيره عنه.


وقيل: كان رجلاً قريباً إلى أطفير بعلها. وقيل قريباً إليها. وممن قال: إنه كان رجلاً: ابن عبَّاس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسُّدِّي ومُحَمْد بن إسحاق وزيد بن أسلم.

فقال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ}. أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدَّت مقدم قميصه {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ} أي لأنه يكون قد هرب منها فاتّبعته وتعلّقت فيه فانشق قميصه لذلك، وكذلك كان. ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي هذا الذي جرى من مكركن، أنتِ راودتيه عن نفسه. ثم اتهمته بالباطل.
ثم أضرب بعلها عن هذا صفحاً، فقال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي لا تذكره لأحد، لأنَّ كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن، وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها، والتوبة إلى ربِّها فإنَّ العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلاّ انهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك. ولهذا قال لها بعلها، وعذرها من بعض الوجوه، لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله، إلا انه عفيف نزيه برئ العرض سليم الناحية، فقال: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِين}.‏
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَاعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ، قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة، من نساء الأمراء، وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز، وعيبها والتشنيع عليها، في مراودتها فتاها، وحبها الشديد له، وهو لا يساوي هذا، لأنه مولى من الموالي، وليس مثله أهلاً لهذا، ولهذا قلن: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي في وضعها الشيء في غير محله.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ} أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة إليها بالعيب، والمذمة بحب مولاها، وعشق فتاها، فأظهرن ذماً، وهي معذورة في نفس الأمر، فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن، وتتبيّن أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا من قبيل ما لديهن. فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها، واعتدت لهن ضيافة مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئاً مما يقطع بالسكاكين، كالأترجّ ونحوه، وأتت كل واحدة منهن سكّيناً، وكانت قد هيّأت يوسف عليه السلام وألبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي أعظمنه وأجللنه، وهِبْنَه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم، وبهرهن حسنه، حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
وقد جاء في حديث الإسراء "فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن".
قال السهيلي وغيره من الأئمة، معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام. لأن الله تعالى خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، فكان في غاية نهايات الحسن البشري، ولهذا يدخل أهل الجنَّة الجنَّة على طول آدم وحسنه، ويوسف كان على النصف من حسن آدم، ولم يكن بينهما احسن منهما، كما أنه لم تكن أنثى بعد حَوَّاء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام.
قال ابن مسعود: وكان وجه يوسف مثل البرق، وكان إذا أتته امرأة لحاجة غطَّى وجهه. وقال غيره: كان في الغالب مبرقعاً، لئلا يراه الناس. ولهذا لما قدم عذر امرأة العزيز في محبتها لهذا المعنى المذكور، وجرى لهن وعليهن ما جرى، من تقطيع أيديهن بجراح السكاكين، وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته.
{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ثم مدحته بالعفة التامة فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي امتنع {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
وكان بقية النساء حرّضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى أشدّ الآباء، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعا فقال: في دعائه لرب العالمين، {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ}. يعني إن وكلتني إلى نفسي فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً، إلا ما شاء الله، فأنا ضعيف، إلاّ ما قويتني وعصمتني وحفظتني وأحطتني بحولك وقوتك.
ولهذا قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ، يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}.
يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم، أي ظهر لهم من الرأي، بعد ما علموا براءة يوسف، أن يسجنوه إلى وقت، ليكون ذلك أقل لكلام الناس، في تلك القضية، وأخمد لأمرها، وليظهروا أنه راودها عن نفسها، فسجن بسببها، فسجنوه ظلماً وعدواناً.
وكان هذا مما قدر الله له. ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتهم ومخالطتهم. ومن ها هنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي: أن من العصمة أن لا تجد!.
قال الله {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} قيل كان أحدهما ساقي الملك، واسمه فيما قيل: "نبوا". والآخر خبازه، يعني الذي يلي طعامه، وهو الذي يقول له الترك (الجاشنكير) واسمه فيما قيل: "مجلث". كان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما. فلما رأيا يوسف في السجن أعجبهما سمته وهديه، ودلّه وطريقته، وقوله وفعله، وكثرة عبادته ربه، وإحسانه إلى خلقه، فرأى كلّ واحد منهما رؤيا تناسبه.
قال أهل التفسير: رأيا في ليلة واحدة، أما الساقي فرأى كأن ثلاث قضبان من حبلة، وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها، فاعتصرها في كأس الملك وسقاه. ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز، وضواري الطيور تأكل من السّلِّ الأعلى.
فقصّاها عليه وطلبا منه أن يعبرها لهما، وقالا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها {قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا}. قيل: معناه مهما رأيتما من حلم فإني أعبره لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول.
وقيل: معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام، قبل مجيئه حلواً أو حامضاً، كما قال عيسى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}.
وقال لهما إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به موحد له متبع ملة آبائي الكرام إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} أي بأن هدانا لهذا {وَعَلَى النَّاسِ} أي بأن أمرنا ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه وهو في فطرهم مركوز، وفي جبلّتهم مغروز {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}.
ثم دعاهم إلى التوحيد، وذمّ عبادةِ ما سوى اللهِ عزَّ وجلّ وصغّر أمر الأوثان، وحقّرها وضعّف أمرها، فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} أي المتصرف في خلقه الفعال لما يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء {أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} أي وحده لا شريك له و {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، أي المستقيم والصراط القويم {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره.
وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال، لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول، فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما، مما سألا عنه وطلبا منه.
ثم لما قام بما وجب عليه، وأرشد إلى ما أرشد إليه، قال {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} قالوا: وهو الساقي
{وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} قالوا: وهو الخباز {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}. أي وقع هذا لا محالة، ووجب كونه على كل حالة. ولهذا جاء في الحديث "الرؤيا على رِجْلِ طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت".
وقد روي عن ابن مسعود ومجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم "أنهما قالا لم نر شيئاً" فقال لهما: {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَان}.
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشّيْطان ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}.
يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجياً منهما وهو الساقي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} يعني أذكر أمري وما أنا فيه من السّجن بغير جرم عند الملك. وفي هذا دليل على جواز السّعي في الأسباب. ولا ينافي ذلك التوكل على ربِّ الأرباب.
وقوله {فَأَنسَاهُ الشّيْطان ذِكْرَ رَبِّهِ}، أي فأنسي الناجي منهما الشّيْطان، أن يذكر ما وصّاه به يوسف عليه السلام. قاله مجاهد ومُحَمْد بن إسحاق وغير واحد وهو الصواب، وهو منصوص أهل الكتاب.
{فَلَبِثَ} يوسف {فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} والبضع ما بين الثلاث إلى التسع. وقيل إلى السبع. وقيل إلى الخمس. وقيل ما دون العشرة. حكاها الثعلبي. ويقال بضع نسوة. وبضعة رجال. ومنع الفّراء استعمال البضع فيما دون العشر، قال: وإنما يقال نيّف. وقال الله تعالى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} وقال تعالى: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} وهذا رد لقوله.
قال الفراء: ويقال بضعة عشر، وبضعة وعشرون إلى التسعين، ولا يقال: بضع ومائة، وبضع وألف، وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر، فمنع أن يقال: بضعة وعشرون إلى تسعين. وفي الصحيح "الإيمان بضع وستون شعبة، وفي رواية: وسبعون شعبة، وأعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق".
ومن قال: إن الضمير في قوله {فَأَنسَاهُ الشّيْطان ذِكْرَ رَبِّهِ} عائد على يوسف فقد ضعف ما قاله، وإن كان قد روي عن ابن عبَّاس وعكرمة.
والحديث الذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه، تفرد بإسناده إبراهيم بن يزيد الخوري المكي وهو متروك، ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل، ولا ها هنا بطريق الأولى والأحرى، والله أعلم.
فأما قول ابن حبان في "صحيحه" عند ذكر السبب الذي من أجله لبث يوسفُ في السجن ما لبث: أخبرنا الفضل بن الحباب الجحمي، حَدَّثَنا مسدد بن مسرهد، حَدَّثَنا خالد بن عبد الله، حَدَّثَنا مُحَمْد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها "اذكرني عند ربك" ما لبث في السجن ما لبث، ورحم الله لوطاً، إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال لقومه "لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد" قال: فما بعث الله نبياً بعده إلا في ثروة من قومه".
فإنه حديث منكر من هذا الوجه، ومُحَمْد بن عمرو بن علقمة له أشياء ينفرد بها وفيها نكارة، وهذه اللفظة من أنكرها وأشدِّها. والذي في "الصحيحين" يشهد بغلطها، والله أعلم.
{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ، قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ، وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي، يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ، قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُون، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}.
هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن على وجه الاحترام والإكرام، وذلك أن ملك مصر وهو الريان بن الوليد بن ثروان بن اراشه بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح رأى هذه الرؤيا.
قال أهل الكتاب: رأى كأنه على حافة نهر، وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان، فجعلن يرتعن في روضةٍ هناك فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر، فرتعن معهن ثم ملن عليهن فأكلتهن فاستيقظ مذعوراً.
ثم نام فرأى سبع سنبلات خضر في قصبة واحدة، وإذا سبع أُخر دقاق يابسات، فأكلنهن فاستيقظ مذعوراً. فلما قصها على ملأه وقومه، لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} أي أخلاط أحلام من الليل، لعلّها لا تعبير لها، ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك، ولهذا قالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} فعند ذلك تذكر الناجي منهما الذي وصّاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إلى حينه هذا. وذلك عن تقدير الله عز وجل، وله الحكمة في ذلك، فلما سمع رؤيا الملك، ورأى عجز الناس عن تعبيرها، تذكر أمر يوسف، وما كان أوصاه به من التذكار.
ولهذا قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} أي تذكر {بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد مدة من الزمان، وهو بضع سنين، وقرأ بعضهم، كما حكي عن ابن عبَّاس وعكرمة والضحاك: {وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد نسيان، وقرأها مجاهد {بَعْدَ أُمَّةٍ} بإسكان الميم، وهو النسيان أيضاً، يقال أمِهَ الرجل يأمَه أمهاً وأمها، إذا نسي. قال الشاعر:
أمِهْتُ وكنتُ لا أنسى حديثاً *** كذاكَ الدّهرُ يزري بالعُقُولِ
فقال لقومه وللملك {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي}، أي فأرسلوني إلى يوسف، فجاءه فقال: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}.
وعند أهل الكتاب أن الملك لما ذكره له الساقي استدعاه إلى حضرته وقص عليه ما رآه ففسره له، وهذا غلط، والصواب: ما قصّه الله في كتابه القرآن لا ما عرَّبه هؤلاءِ الجهلة الثيران، من فري وهذيان.
فبذل يوسف عليه السلام ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب الخروج سريعاً، بل أجابهم إلى ما سألوا، وعبّر لهم ما كان من منام الملك الدّال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبهما سبع جدب: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} يعني يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يعني ما كانوا يعصرونه من الأقصاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها.
فعبّر لهم. وعلى الخير دلّهم وأرشدهم، إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجَدْبِهم وما يفعلونه من ادّخار حبوب سنّى الخصب في السبع الأول في سنبله، إلاّ ما يرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية، إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل. وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأي والفهم.
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ، قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ، وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
لما أحاط الملك علماً بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام وتمام عقله ورأيه السُّدِّيد وفهمه، أمر بإحضاره إلى حضرته، ليكون من جملة خاصته، فلما جاءه الرَّسول بذلك أحب أن لا يخرج حتى يتبين لكل أحد انه حبس ظلماً وعدواناً، وأنه بريء السَّاحة مما نسبوه إليه بهتاناً {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} يعني الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} قيل: معناه إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إليّ، أي فمر الملك فليسألهن: كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي؟ وحثهن لي على الأمر الذي ليس برشيد ولا سديد؟
فلما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من الأمر، وما كان منه من الأمر الحميد و{قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}.
فعند ذلك {قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} وهي زليخا: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}. أي: ظهر وتبيّن ووضح، والحق أحق أن يتبع {أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ} أي فيما يقوله من أنه بريء وأنه لم يراودني وأنه حبس ظلماً وعدواناً وزوراً وبهتاناً.
وقوله {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} قيل إنه من كلام يوسف أي إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب. وقيل إنه من تمام كلام زليخا، أي: إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر، وإنما كان مراودة لم يقع معها فعل فاحشة.
وهذا القول هو الذي نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين وغيرهم، ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم سوى الأول.
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} قيل: إنه من كلام يوسف، وقيل: من كلام زليخا، وهو مفرع على القولين الأولين. وكونه من تمام كلام زليخا أظهر وأنسب وأقوى، والله أعلم.
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
لما ظهر للملك براءة عرضه، ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه إليه قال {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أي اجعله من خاصّتي ومن أكابر دولتي، ومن أعيان حاشيتي، فلمّا كلمّه وسمع مقاله وتبين حاله {قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} أي ذو مكانة وأمانة. {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالأهراء لما يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضي سبع سنّى الخصب، لينظر فيها بما يرضي الله في خلقه من الاحتياط لهم والرفق بهم، وأخبر الملك إنه حفيظ، أي قوي على حفظ ما لديه أمين عليه، عليم بضبط الأشياء ومصالح الأهراء.
وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة.
وعند أهل الكتاب أن فرعون عظّم يوسف عليه السلام جدّاً، وسلطه على جميع أرض مصر وألبسه خاتمه، وألبسه الحرير وطوّقه الذهب وحمله على مركبه الثاني، ونودي بين يديه، أنت ربُّ ومسلط، وقال له: لست أعظم منك إلا بالكرسي.
قالوا: وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة، وزوجه امرأة عظيمة الشأن.
وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته، وولاها يوسف.
وقيل: إنه مات، زوَّجَهُ امرأتَهُ زليخا، فوجَدها عذراء لأن زوجها كان لا يأتي النساء، فولدت ليوسف عليه السلام رجلين، وهما:
أفرايم، ومنسا. قال: واستوثق ليوسف ملك مصر، وعمل فيهم بالعدل فأحبَّه الرجال والنساء.
وحكي أنَّ يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين سنة، وأن الملك خاطبه بسبعين لغة، وفي كل ذلك يجاوبه بكل لغة منها، فأعجبه ذلك مع حداثة سنّهِ فالله أعلم.
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} أي بعد السجن والضيق والحصر صار مطلق الركاب بديار مصر، {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} أي أين شاء حل منها مكرماً محسوداً معظماً.
{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} من أي هذا كله من جزاء الله وثوابه للمؤمن، مع ما يدّخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل.
ولهذا قال: {وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
ويقال: إن قطفير زوج زليخا كان قد مات فولاه الملك مكانه وزوجه امراته زليخا فكان وزير صدق.
وذكر مُحَمْد بن إسحاق أن صاحب مصر - الوليد بن الريان - أسلم على يدي يوسف عليه السلام والله أعلم. وقد قال بعضهم:
وراءَ مضيقِ الخوفِ متّسع الأَمن ** وأولُ مفروحٍ به غايةُ الحزْن
فلا تيأسَنْ فالله ملّك يوسُفاً ** خزائنَه بعدَ الخلاصِ من السِّجن
{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُون، ولَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ، فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِي، قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ، وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
يخبر تعالى عن قدوم أخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية يمتارون طعاماً، وذلك بعد إتيان سنّى الجدب وعمومها على سائر العباد والبلاد.
وكان يوسف عليه السلام إذ ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية ديناً ودنيا. فلما دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة فلهذا عرفهم وهم له منكرون.
وعند أهل الكتاب: أنهم لما قدموا عليه سجدوا له، فعرفهم وأراد أن لا يعرفوه، فأغلظ لهم في القول، وقال: أنتم جواسيس، جئتم لتأخذوا خير بلادي. فقالوا: معاذ الله إنما جئنا نمتار لقومنا من الجهد والجوع الذي أصابنا، ونحن بنو أبٍ واحدٍ من كنعان، ونحن اثنا عشر رجلاً، ذهب منّا واحدٌ وصغيرنا عند أبينا، فقال: لا بد أن استعلم أمركم. وعندهم: أنه حبسهم ثلاثة أيام، ثم أخرجهم وأحتبس شمعون عنده ليأتوه بالأخ الآخر وفي بعض هذا نظر.
قال الله تعالى {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته في إعطاء كلّ إنسان حِمْلَ بعيرٍ لا يزيده عليه {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} وكان قد سألهم عن حالهم وكم هم، فقالوا: كنا إثني عشر رجلاً، فذهب منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا، فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم.
{أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} أي قد أحسنت نزلكم وقِرَاكم، فرغَّبهم ليأتوه به، ثم رهّبهم إن لم يأتوه به، قال: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِي} أي فلست أعطيكم ميرة، ولا أقربكم بالكلية، عكس ما أسدى إليهم أولاً.
فاجتهد في إحضاره معهم، ليبلِّ شوقه منه بالترغيب والترهيب
{قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي سنجتهد في مجيئه معنا، وإتيانه إليك بكل ممكن {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} أي وإنا لقادرون على تحصيله.
ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم، وهي ما جاؤا به يتعوّضون به عن الميرة، في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} قيل: أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم. وقيل: خشي أن لا يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية. وقيل: تذمم أن يأخذ منهم عوضاً عن الميرة.
وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم، على أقوال سيأتي ذكرها. وعند أهل الكتاب: أنها كانت صرراً من وَرِق، وهو أشبه والله أعلم.‏
{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ، قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِي مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ، وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ، وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم، وقولهم له: {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} أي بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا، فإن أرسلته معنا لم يمنع منا.
{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} أي: أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي نمتار لهم، ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم ومَحْلِهم {وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ} بسببه {كَيْلَ بَعِيرٍ}.
قال الله تعالى: {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} أي في مقابلة ذهاب ولده الآخر.
وكان يعقوب عليه السلام اضنّ شيء بولده بنيامين، لأنه كان يشمّ فيه رائحة أخيه، ويتسلّى به عنه، ويتعوض بسببه منه.
فلهذا قال: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِي مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} أي إلاّ أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}.
أكدّ المواثيق، وقرّر العهود، واحتاط لنفسه في ولده، ولن يغني حَذَرٌ من قَدَر. ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة لما بعثّ الولد العزيزَ، ولكنَّ الأقدار لها أحكام، والرب تعالى يقدر ما يشاء، ويختار ما يريد، ويحكم ما يشاء وهو الحكيم العليم.
ثم أمرهم أن لا يدخلوا المدينة من بابٍ واحد، ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة. قيل: أراد أن لا يصيبهم أحد بالعين وذلك لأنّهم كانوا أشكالاً حسنة، وصوراً بديعة. قال ابن عبَّاس ومُحَمْد بن كعب وقتادة والسُّدِّي والضحاك.
وقيل: أراد أن يتفرّقوا لعلهم يجدون خبر ليوسف، أو يُحَدَّثُون عنه بأثر. قال إبراهيم النخعي. والأول اظهر، ولهذا قال: {وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}.
وقال تعالى {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
وعند أهل الكتاب: أنه بعث معهم هدية إلى العزيز، من الفستق واللوز والصنوبر والبطم والعسل، وأخذوا الدّراهم الأولى، وعوضاً آخر.
{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ، قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ، قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ، قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ، فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَالله أعلم بِمَا تَصِفُونَ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ}.
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه يوسف وإيوائه إليه وإخباره له سرّاً عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاّه عما كان منهم من الإساءة إليه.
ثم احتال على أخذه منهم، وتركه إياه عنده دونهم، فأمر فتيانه بوضع سقايته. وهي التي كان يشرب بها ويكيل بها الناس الطعام، عن غرة في متاع بنيامين. ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صُواع الملك، ووعدهم جعالة على ردِّه حِمْل بعير، وضمّنه المنادي لهم، فأقبلوا على من اتهمهم بذلك فأنبوه وهجّنوه فيما قاله لهم: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} يقولون: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا له من السّرقة.
{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. وهذه كانت شريعتهم أن السّارق يدفع إلى المسروق منه ولهذا قالوا: {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.
قال الله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} ليكون ذلك أبعد للتهمة، وأبلغ في الحيلة، ثم قال الله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي لولا اعترافهم بأنّ جزاءه {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} أي في العلم {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.
وذلك لأنّ يوسف كان أعلم منهم، وأتم رأياً، وأقوى عزماً وحزماً، وإنما فعل ما فعل عن أمر الله له في ذلك لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك، من قدوم أبيه وقومه عليه، ووفودهم إليه.
فلما عاينوا استخراج الصّواع من حمل بنيامين {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} يعنون يوسف. قيل كان قد سرق صنم جدّه، أبي أمه، فكسره. وقيل: كانت عمته قد علقت عليه بين ثيابه، وهو صغير، منطقة كانت لإسحاق، ثم استخرجوها من بين ثيابه، وهو لا يشعر بما صنعت، وإنما أرادت أن يكون عندها، وفي حضانتها لمحبتها له. وقيل: كان يأخذ الطّعام من البيت فيطعمه الفقراء. وقيل: غير ذلك. فلهذا {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} وهي كلمته بعدها، وقوله {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَالله أعلم بِمَا تَصِفُونَ} أجابهم سرّاً لا جهراً، حلماً وكرماً وصفحاً وعفواً، فدخلوا معه في الترفق والتعطف، فقالوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ} أي إن أطلقنا المتهم وأخذنا البريء. هذا ما لا نفعله ولا نسمح به، وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.
وعند أهل الكتاب: أن يوسف تعرّف إليهم حينئذ وهذا مما غلطوا فيه ولم يفهموه جيّداً.
{فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}.
يقول تعالى مخبراً عنهم: إنهم لما استيأسوا من أخذه منه خلصُوا يتناجون فيما بينهم، قال كبيرهم، وهو روبيل: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ} . لتأتنني به الا أن يحاط بكم؟ لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف من قبله فلم يبق لي وجه أقابله به {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} أي لا أزال مقيماً ها هنا {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} في القدوم عليه {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بأن يقدّرني على ردِّ أخي إلى أبي {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}.
{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} أي أخبروه بما رأيتم من الأمر في الظاهر المشاهدة {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}. أي فإن هذا الذي أخبرناك به - من أخذهم أخانا، لأنه سرق - أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}.
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي ليس الأمر كما ذكرتم لم يسرق فإنه ليس سجية له، ولا {هو} خلقه، وإنما {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}.
قال ابن إسحاق وغيره: لما كان التفريط منهم في بنيامين مترتباً على صنيعهم في يوسف، قال لهم ما قال، وهذا كما قال بعض السلف: إن من جزاء السيئة السيئة بعدها!.
ثم قال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً}. يعني يوسف وبنيامين وروبيل {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} أي بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة {الْحَكِيمُ} فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة.
{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي أعرض عن بنيه { وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}
ذكّره حزنه الجديد بالحزن القديم، وحرّك ما كان كامناً، كما قال بعضهم:
نقّلْ فؤادَكَ حيثُ شئتَ منَ الهوى ** ما الحبّ إلاّ لِلحبيبِ الأوّلِ
وقال آخر:
لَقَدْ لاَمَني عندَ القُبورِ عَلى البُكا *** رَفيقي لتذْرافِ الدّموعِ السّوافكِ
فقالَ: أتبكي كلّ قبر رأيتَه ** لقبرٍ ثوى بينَ اللّوى فالدكادِكِ
فقلتُ له: إن الأَسى يبعثُ الأسى ** فَدعْني فهذَا كلّهُ قبرُ مالِكِ
وقوله: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} أي من كثرة البكاء {فَهُوَ كَظِيمٌ} أي مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف.
فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق {قَالُوا} له على وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه {تَا للَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ}.
يقولون: لا تزال تتذكره حتى ينحل جسدك، وتضعف قوّتك، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك.
{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} يقول لبنيه: لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس، ما أنا فيه، إنما أشكو إلى الله عز وجل، واعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجاً ومخرجاً، وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع، ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى، ولهذا قال: {وَأَعْ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إمرأة العزيز:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» انشودة إمرأة وطفلتين
» قصة حمار العزيز

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
تبلــــبالـــة :: منتدى الأسلاميات-
انتقل الى: