تبلــــبالـــة
تبلــــبالـــة
تبلــــبالـــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
موسوعة الحديث الشريف 725933269
موسوعة الحديث الشريف 408839496
موسوعة الحديث الشريف 646533344
موسوعة الحديث الشريف 966464772
موسوعة الحديث الشريف 353133476
موسوعة الحديث الشريف 856590118
موسوعة الحديث الشريف 265406003
موسوعة الحديث الشريف 305971779
موسوعة الحديث الشريف 289360463
موسوعة الحديث الشريف 660447902
موسوعة الحديث الشريف 410280926
موسوعة الحديث الشريف 554379707
موسوعة الحديث الشريف 147050375
موسوعة الحديث الشريف 856175317
موسوعة الحديث الشريف 375679719
موسوعة الحديث الشريف 644486156
موسوعة الحديث الشريف 217742477
موسوعة الحديث الشريف 937093809
موسوعة الحديث الشريف 785148045
موسوعة الحديث الشريف 269036034
موسوعة الحديث الشريف 998154383
موسوعة الحديث الشريف 279192771
موسوعة الحديث الشريف 998154383
موسوعة الحديث الشريف 313813701
موسوعة الحديث الشريف 883769838
موسوعة الحديث الشريف 857173928
موسوعة الحديث الشريف 960154133
موسوعة الحديث الشريف 961691649
موسوعة الحديث الشريف 553003466
موسوعة الحديث الشريف 674856862
موسوعة الحديث الشريف 396904883
موسوعة الحديث الشريف 146390467
موسوعة الحديث الشريف 322217315
موسوعة الحديث الشريف 348085378
موسوعة الحديث الشريف 993700236
المواضيع الأخيرة
» جميع اختبارات الفصل الثاني لجميع المواد للسنة الاولى متوسط
موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 29, 2015 5:34 pm من طرف abderezakghano

» Cd.. به حل جميع تمارين الرياضيات 4 متوسط
موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 22, 2015 12:57 pm من طرف abderezakghano

» mimoire dr fin d'étude
موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 05, 2015 3:11 pm من طرف zekraouiomar

» منظومة العبقري
موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 05, 2015 2:56 pm من طرف zekraouiomar

» تلخيص شامل لدروس العلوم الاسلامية سنة ثانية ثانوي
موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالسبت مايو 16, 2015 12:20 am من طرف alisalhi

» كيف استخرج اختبارت سنة الاولي ابتدائي
موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالأربعاء مايو 06, 2015 11:45 am من طرف sousoubelle

»  اسطوانة قسم السنة الخامسة ابتدائي
موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 23, 2014 12:16 am من طرف zekraouiomar

» للتسجيل في نهاية مرحلة التعليم الابتدائي دورة 2015
موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 23, 2014 12:13 am من طرف zekraouiomar

» امتحان شهادة نهاية مرحلة التعليم الإبتدائي في مادة اللغة العربية دورة ماي 2014
موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 23, 2014 12:12 am من طرف zekraouiomar

مواضيع مماثلة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
zekraouiomar
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
عقيلة08
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
hayet
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
جمال الدين
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
zekra.wahbi
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
سميحة
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
صوت الحق
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
مداني
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
zekra.zobair
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
mohamed08
موسوعة الحديث الشريف Emptyموسوعة الحديث الشريف I_voting_barموسوعة الحديث الشريف I_vote_lcap 
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 80 بتاريخ الثلاثاء يونيو 05, 2012 2:34 pm
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
Place holder for NS4 only
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 2516 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو عواج بن عناق فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 6058 مساهمة في هذا المنتدى في 5470 موضوع

The Prophet Muhammad


 

 موسوعة الحديث الشريف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
samah
زائر




موسوعة الحديث الشريف Empty
مُساهمةموضوع: موسوعة الحديث الشريف   موسوعة الحديث الشريف I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 13, 2010 12:22 am

حدثنا
‏ ‏الحميدي عبد الله بن الزبير ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏قال حدثنا ‏
‏يحيى بن سعيد الأنصاري ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏موسوعة الحديث الشريف 147390 بن إبراهيم التيمي ‏
‏أنه سمع ‏ ‏علقمة بن وقاص الليثي ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏
‏رضي الله عنه ‏ ‏على المنبر ‏

‏قال سمعت رسول
الله ‏ ‏موسوعة الحديث الشريف 30129سلم ‏ ‏يقول ‏ ‏إنما الأعمال ‏ ‏بالنيات ‏ ‏وإنما
لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته



إلى دنيا ‏ ‏يصيبها ‏ ‏أو إلى امرأة ينكحها
فهجرته إلى ما هاجر إليه ‏



فتح الباري بشرح صحيح البخاري




‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيّ ) ‏

‏هُوَ أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر بْن عِيسَى , مَنْسُوب
إِلَى حُمَيْدِ بْن أُسَامَة بَطْن مِنْ بَنِي أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى
بْن قُصَيّ رَهْط خَدِيجَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , يَجْتَمِع مَعَهَا فِي أَسَد وَيَجْتَمِع مَعَ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُصَيّ . وَهُوَ إِمَام كَبِير
مُصَنِّف , رَافَقَ الشَّافِعِيّ فِي الطَّلَب عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ
وَطَبَقَته وَأَخَذَ عَنْهُ الْفِقْه وَرَحَلَ مَعَهُ إِلَى مِصْر ,
وَرَجَعَ بَعْد وَفَاته إِلَى مَكَّة إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا سَنَة تِسْع
عَشْرَة وَمِائَتَيْنِ . فَكَأَنَّ الْبُخَارِيّ اِمْتَثَلَ قَوْله صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدِّمُوا قُرَيْشًا " فَافْتَتَحَ كِتَابه
بِالرِّوَايَةِ عَنْ الْحُمَيْدِيّ لِكَوْنِهِ أَفْقَه قُرَشِيّ أَخَذَ
عَنْهُ . وَلَهُ مُنَاسَبَة أُخْرَى لِأَنَّهُ مَكِّيّ كَشَيْخِهِ
فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَر فِي أَوَّل تَرْجَمَة بَدْء الْوَحْي لِأَنَّ
اِبْتِدَاءَهُ كَانَ بِمَكَّة , وَمِنْ ثَمَّ ثَنَّى بِالرِّوَايَةِ عَنْ
مَالِك لِأَنَّهُ شَيْخ أَهْل الْمَدِينَة وَهِيَ تَالِيَة لِمَكَّة فِي
نُزُول الْوَحْي وَفِي جَمِيع الْفَضْل , وَمَالِك وَابْن عُيَيْنَةَ
قَرِينَانِ , قَالَ الشَّافِعِيّ : لَوْلَاهُمَا لَذَهَبَ الْعِلْم مِنْ
الْحِجَاز . ‏

‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا سُفْيَان ) ‏


‏هُوَ اِبْن عُيَيْنَةَ بْن أَبِي عِمْرَان الْهِلَالِيّ أَبُو مُحَمَّد
الْمَكِّيّ , أَصْله وَمَوْلِده الْكُوفَة , وَقَدْ شَارَكَ مَالِكًا فِي
كَثِير مِنْ شُيُوخه وَعَاشَ بَعْده عِشْرِينَ سَنَة , وَكَانَ يُذْكَر
أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَبْعِينَ مِنْ التَّابِعِينَ . ‏

‏قَوْله : ( عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد ) ‏
ا ; لِأَنَّ اللَّه
تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْأَنْبِيَاء ثُمَّ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين } . ‏




‏فِي رِوَايَة غَيْر أَبِي ذَرّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد
الْأَنْصَارِيّ . اِسْم جَدّه قَيْس بْن عَمْرو وَهُوَ صَحَابِيّ ,
وَيَحْيَى مِنْ صِغَار التَّابِعِينَ , وَشَيْخه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم
بْن الْحَارِث بْن خَالِد التَّيْمِيُّ مِنْ أَوْسَاط التَّابِعِينَ ,
وَشَيْخ مُحَمَّد عَلْقَمَة بْن وَقَّاص اللَّيْثِيّ مِنْ كِبَارهمْ ,
فَفِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة مِنْ التَّابِعِينَ فِي نَسَق . وَفِي
الْمَعْرِفَة لِابْنِ مَنْدَهْ مَا ظَاهِره أَنَّ عَلْقَمَة صَحَابِيّ ,
فَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ فِيهِ تَابِعِيَّانِ وَصَحَابِيَّانِ , وَعَلَى
رِوَايَة أَبِي ذَرّ يَكُون قَدْ اِجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِسْنَاد أَكْثَر
الصِّيَغ الَّتِي يَسْتَعْمِلهَا الْمُحَدِّثُونَ , وَهِيَ التَّحْدِيث
وَالْإِخْبَار وَالسَّمَاع وَالْعَنْعَنَة وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ
اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّف فِي إِدْخَاله حَدِيث الْأَعْمَال هَذَا فِي
تَرْجَمَة بَدْء الْوَحْي وَأَنَّهُ لَا تَعَلُّق لَهُ بِهِ أَصْلًا ,
بِحَيْثُ إِنَّ الْخَطَّابِيّ فِي شَرْحه وَالْإِسْمَاعِيلِيّ فِي
مُسْتَخْرَجه أَخْرَجَاهُ قَبْل التَّرْجَمَة لِاعْتِقَادِهِمَا أَنَّهُ
إِنَّمَا أَوْرَدَهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ فَقَطْ , وَاسْتَصْوَبَ أَبُو
الْقَاسِم بْن مَنْدَهْ صَنِيع الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي ذَلِكَ , وَقَالَ
اِبْن رَشِيد : لَمْ يَقْصِد الْبُخَارِيّ بِإِيرَادِهِ سِوَى بَيَان حُسْن
نِيَّته فِيهِ فِي هَذَا التَّأْلِيف , وَقَدْ تُكُلِّفَتْ مُنَاسَبَته
لِلتَّرْجَمَةِ , فَقَالَ : كُلّ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ . اِنْتَهَى .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقِيمهُ مَقَام الْخُطْبَة
لِلْكِتَابِ ; لِأَنَّ فِي سِيَاقه أَنَّ عُمَر قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَر
بِمَحْضَرِ الصَّحَابَة , فَإِذَا صَلَحَ أَنْ يَكُون فِي خُطْبَة
الْمِنْبَر صَلَحَ أَنْ يَكُون فِي خُطْبَة الْكُتُب . وَحَكَى الْمُهَلَّب
أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِهِ حِين
قَدِمَ الْمَدِينَة مُهَاجِرًا , فَنَاسَبَ إِيرَاده فِي بَدْء الْوَحْي ;
لِأَنَّ الْأَحْوَال الَّتِي كَانَتْ قَبْل الْهِجْرَة كَانَتْ
كَالْمُقَدِّمَةِ لَهَا لِأَنَّ بِالْهِجْرَةِ اُفْتُتِحَ الْإِذْن فِي
قِتَال الْمُشْرِكِينَ , وَيَعْقُبهُ النَّصْر وَالظَّفَر وَالْفَتْح
اِنْتَهَى . وَهَذَا وَجْه حَسَن , إِلَّا أَنَّنِي لَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ
- مِنْ كَوْنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ بِهِ أَوَّل مَا
هَاجَرَ - مَنْقُولًا . وَقَدْ وَقَعَ فِي بَاب تَرْك الْحِيَل بِلَفْظِ :
سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " يَا
أَيّهَا النَّاس إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ " الْحَدِيث , فَفِي
هَذَا إِيمَاء إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي حَال الْخُطْبَة , أَمَّا كَوْنه
كَانَ فِي اِبْتِدَاء قُدُومه إِلَى الْمَدِينَة فَلَمْ أَرَ مَا يَدُلّ
عَلَيْهِ , وَلَعَلَّ قَائِله اِسْتَنَدَ إِلَى مَا رُوِيَ فِي قِصَّة
مُهَاجِر أُمّ قَيْس , قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : نَقَلُوا أَنَّ
رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة لَا يُرِيد بِذَلِكَ
فَضِيلَة الْهِجْرَة وَإِنَّمَا هَاجَرَ لِيَتَزَوَّج اِمْرَأَة تُسَمَّى
أُمّ قَيْس , فَلِهَذَا خُصَّ فِي الْحَدِيث ذِكْر الْمَرْأَة دُون سَائِر
مَا يُنْوَى بِهِ , اِنْتَهَى . وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ يَسْتَلْزِم
الْبُدَاءَة بِذِكْرِهِ أَوَّل الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة . وَقِصَّة
مُهَاجِر أُمّ قَيْس رَوَاهَا سَعِيد مِنْ مَنْصُور قَالَ أَخْبَرَنَا
أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ شَقِيق عَنْ عَبْد اللَّه - هُوَ
اِبْن مَسْعُود - قَالَ : مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيْئًا فَإِنَّمَا لَهُ
ذَلِكَ , هَاجَرَ رَجُل لِيَتَزَوَّج اِمْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ قَيْس
فَكَانَ يُقَال لَهُ مُهَاجِر أُمّ قَيْس وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مِنْ
طَرِيق أُخْرَى عَنْ الْأَعْمَش بِلَفْظِ : كَانَ فِينَا رَجُل خَطَبَ
اِمْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ قَيْس فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجهُ حَتَّى
يُهَاجِر فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا , فَكُنَّا نُسَمِّيه مُهَاجِر أُمّ
قَيْس . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ , لَكِنْ
لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حَدِيث الْأَعْمَال سِيقَ بِسَبَبِ ذَلِكَ , وَلَمْ
أَرَ فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق مَا يَقْتَضِي التَّصْرِيح بِذَلِكَ .
وَأَيْضًا فَلَوْ أَرَادَ الْبُخَارِيّ إِقَامَته مَقَام الْخُطْبَة فَقَطْ
أَوْ الِابْتِدَاء بِهِ تَيَمُّنًا وَتَرْغِيبًا فِي الْإِخْلَاص لَكَانَ
سَاقَهُ قَبْل التَّرْجَمَة كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيْره
وَنَقَلَ اِبْن بَطَّال عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن النَّجَّار قَالَ :
التَّبْوِيب يَتَعَلَّق بِالْآيَةِ وَالْحَدِيث مَعً
‏وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة فِي قَوْله تَعَالَى { شَرَعَ لَكُمْ مِنْ
الدِّين مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا } قَالَ وَصَّاهُمْ بِالْإِخْلَاصِ فِي
عِبَادَته . وَعَنْ أَبِي عَبْد الْمَلِك الْبَوْنِيّ قَالَ : مُنَاسَبَة
الْحَدِيث لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ بَدْء الْوَحْي كَانَ بِالنِّيَّةِ ;
لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى فَطَرَ مُحَمَّدًا عَلَى التَّوْحِيد وَبَغَّضَ
إِلَيْهِ الْأَوْثَان وَوَهَبَ لَهُ أَوَّل أَسْبَاب النُّبُوَّة وَهِيَ
الرُّؤْيَا الصَّالِحَة , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخْلَصَ إِلَى اللَّه فِي
ذَلِكَ فَكَانَ يَتَعَبَّد بِغَارِ حِرَاء فَقَبِلَ اللَّه عَمَله
وَأَتَمَّ لَهُ النِّعْمَة . وَقَالَ الْمُهَلَّب مَا مُحَصَّله : قَصَدَ
الْبُخَارِيّ الْإِخْبَار عَنْ حَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَال مَنْشَئِهِ وَأَنَّ اللَّه بَغَّضَ إِلَيْهِ
الْأَوْثَان وَحَبَّبَ إِلَيْهِ خِلَال الْخَيْر وَلُزُوم الْوَحْدَة
فِرَارًا مِنْ قُرَنَاء السُّوء , فَلَمَّا لَزِمَ ذَلِكَ أَعْطَاهُ اللَّه
عَلَى قَدْر نِيَّته وَوَهَبَ لَهُ النُّبُوَّة كَمَا يُقَال الْفَوَاتِح
عُنْوَان الْخَوَاتِم . وَلَخَّصَهُ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْقَاضِي أَبُو
بَكْر بْن الْعَرَبِيّ . ‏ ‏وَقَالَ اِبْن الْمُنِير فِي أَوَّل
التَّرَاجِم : كَانَ مُقَدِّمَة النُّبُوَّة فِي حَقّ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهِجْرَة إِلَى اللَّه تَعَالَى بِالْخَلْوَةِ
فِي غَار حِرَاء فَنَاسَبَ الِافْتِتَاح بِحَدِيثِ الْهِجْرَة . وَمِنْ
الْمُنَاسَبَات الْبَدِيعَة الْوَجِيزَة مَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة
إِلَيْهِ أَنَّ الْكِتَاب لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لِجَمْعِ وَحْي
السُّنَّة صَدَّرَهُ بِبَدْءِ الْوَحْي , وَلَمَّا كَانَ الْوَحْي
لِبَيَانِ الْأَعْمَال الشَّرْعِيَّة صَدَّرَهُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَال ,
وَمَعَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَات لَا يَلِيق الْجَزْم بِأَنَّهُ لَا تَعَلُّق
لَهُ بِالتَّرْجَمَةِ أَصْلًا . وَاَللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى
صِرَاط مُسْتَقِيم . وَقَدْ تَوَاتَرَ النَّقْل عَنْ الْأَئِمَّة فِي
تَعْظِيم قَدْر هَذَا الْحَدِيث : قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه : لَيْسَ فِي
أَخْبَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْء أَجْمَع
وَأَغْنَى وَأَكْثَر فَائِدَة مِنْ هَذَا الْحَدِيث . وَاتَّفَقَ عَبْد
الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ وَالشَّافِعِيّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيّ
عَنْهُ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَعَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَأَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيّ والدَّارَقُطْنِيّ وَحَمْزَة الْكِنَانِيّ عَلَى أَنَّهُ
ثُلُث الْإِسْلَام , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ رُبْعه , وَاخْتَلَفُوا فِي
تَعْيِين الْبَاقِي . وَقَالَ اِبْن مَهْدِيّ أَيْضًا : يَدْخُل فِي
ثَلَاثِينَ بَابًا مِنْ الْعِلْم , وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَدْخُل فِي
سَبْعِينَ بَابًا , وَيُحْتَمَل أَنْ يُرِيد بِهَذَا الْعَدَد
الْمُبَالَغَة . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ أَيْضًا :
يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَل هَذَا الْحَدِيث رَأْس كُلّ بَاب . وَوَجَّهَ
الْبَيْهَقِيُّ كَوْنه ثُلُث الْعِلْم بِأَنَّ كَسْب الْعَبْد يَقَع
بِقَلْبِهِ وَلِسَانه وَجَوَارِحه , فَالنِّيَّة أَحَد أَقْسَامهَا
الثَّلَاثَة وَأَرْجَحهَا ; لِأَنَّهَا قَدْ تَكُون عِبَادَة مُسْتَقِلَّة
وَغَيْرهَا يَحْتَاج إِلَيْهَا , وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ : نِيَّة الْمُؤْمِن
خَيْر مِنْ عَمَله , فَإِذَا نَظَرْت إِلَيْهَا كَانَتْ خَيْر
الْأَمْرَيْنِ . وَكَلَام الْإِمَام أَحْمَد يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ
بِكَوْنِهِ ثُلُث الْعِلْم أَنَّهُ أَرَادَ أَحَد الْقَوَاعِد الثَّلَاثَة
الَّتِي تُرَدّ إِلَيْهَا جَمِيع الْأَحْكَام عِنْده , وَهِيَ هَذَا وَ "
مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدّ " وَ "
الْحَلَال بَيِّن وَالْحَرَام بَيِّن " الْحَدِيث . ثُمَّ إِنَّ هَذَا
الْحَدِيث مُتَّفَق عَلَى صِحَّته أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّة الْمَشْهُورُونَ
إِلَّا الْمُوَطَّأ , وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْمُوَطَّأ
مُغْتَرًّا بِتَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ لَهُ وَالنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق
مَالِك , وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ : قَدْ يَكُون هَذَا الْحَدِيث
عَلَى طَرِيقَة بَعْض النَّاس مَرْدُودًا لِكَوْنِهِ فَرْدًا ; لِأَنَّهُ
لَا يُرْوَى عَنْ عُمَر إِلَّا مِنْ رِوَايَة عَلْقَمَة , وَلَا عَنْ
عَلْقَمَة إِلَّا مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم وَلَا عَنْ
مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم إِلَّا مِنْ رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد ,
وَهُوَ كَمَا قَالَ , فَإِنَّهُ إِنَّمَا اِشْتَهَرَ عَنْ يَحْيَى بْن
سَعِيد وَتَفَرَّدَ بِهِ مَنْ فَوْقه وَبِذَلِكَ جَزَمَ التِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن السَّكَن وَحَمْزَة بْن مُحَمَّد
الْكِنَانِيّ , وَأَطْلَقَ الْخَطَّابِيُّ نَفْي الْخِلَاف بَيْن أَهْل
الْحَدِيث فِي أَنَّهُ لَا يُعْرَف إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد , وَهُوَ
كَمَا قَالَ لَكِنْ بِقَيْدَيْنِ : ‏ ‏أَحَدهمَا : الصِّحَّة لِأَنَّهُ
وَرَدَ مِنْ طُرُق مَعْلُولَة ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو
الْقَاسِم بْن مَنْدَهْ وَغَيْرهمَا . ‏ ‏ثَانِيهمَا : السِّيَاق
لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عِدَّة أَحَادِيث صَحَّتْ فِي مُطْلَق
النِّيَّة كَحَدِيثِ عَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة عِنْد مُسْلِم " يُبْعَثُونَ
عَلَى نِيَّاتهمْ " , وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس " وَلَكِنْ جِهَاد وَنِيَّة "
, وَحَدِيث أَبِي مُوسَى " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَة اللَّه هِيَ
الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيل اللَّه " مُتَّفَق عَلَيْهِمَا , وَحَدِيث
اِبْن مَسْعُود " رُبَّ قَتِيل بَيْن الصَّفَّيْنِ اللَّه أَعْلَم
بِنِيَّتِهِ " أَخْرَجَهُ أَحْمَد , وَحَدِيث عُبَادَةَ " مَنْ غَزَا
وَهُوَ لَا يَنْوِي إِلَّا عِقَالًا فَلَهُ مَا نَوَى " أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيُّ , إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَسَّر حَصْره , وَعُرِفَ
بِهَذَا التَّقْرِير غَلَط مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيث عُمَر مُتَوَاتِر ,
إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ فَيُحْتَمَل . نَعَمْ
قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد : فَحَكَى مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن
سَعِيد النَّقَّاش الْحَافِظ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى مِائَتَانِ
وَخَمْسُونَ نَفْسًا , وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ أَبُو الْقَاسِم بْن
مَنْدَهْ فَجَاوَزَ الثَّلَثمِائَةِ , وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ
عَنْ بَعْض مَشَايِخه مُذَاكَرَة عَنْ الْحَافِظ أَبِي إِسْمَاعِيل
الْأَنْصَارِيّ الْهَرَوِيّ قَالَ : كَتَبْته مِنْ حَدِيث سَبْعمِائَةٍ
مِنْ أَصْحَاب يَحْيَى . قُلْت : وَأَنَا أَسْتَبْعِد صِحَّة هَذَا ,
فَقَدْ تَتَبَّعْت طُرُقه مِنْ الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة وَالْأَجْزَاء
الْمَنْثُورَة مُنْذُ طَلَبْت الْحَدِيث إِلَى وَقْتِي هَذَا فَمَا قَدَرْت
عَلَى تَكْمِيل الْمِائَة , وَقَدْ تَتَبَّعْت طُرُق غَيْره فَزَادَتْ
عَلَى مَا نُقِلَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ , كَمَا سَيَأْتِي مِثَال لِذَلِكَ فِي
الْكَلَام عَلَى حَدِيث اِبْن عُمَر فِي غُسْل الْجُمُعَة إِنْ شَاءَ
اللَّه تَعَالَى . ‏

‏قَوْله : ( عَلَى الْمِنْبَر ) ‏

‏بِكَسْرِ الْمِيم , وَاللَّام لِلْعَهْدِ , أَيْ مِنْبَر الْمَسْجِد
النَّبَوِيّ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ يَحْيَى فِي
تَرْك الْحِيَل : سَمِعْت عُمَر يَخْطُب . ‏

‏قَوْله : ( إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ) ‏
َائِله لَمَّا رَأَى أَنَّ الْحَصْر فِيهِ تَأْكِيد عَلَى تَأْكِيد ظَنَّ
أَنَّ كُلّ مَا وَقَعَ كَذَلِكَ يُفِيد الْحَصْر . وَقَالَ اِبْن دَقِيق
الْعِيد : اُسْتُدِلَّ عَلَى إِفَادَة إِنَّمَا لِلْحَصْرِ بِأَنَّ اِبْن
عَبَّاس اِسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُون إِلَّا فِي
النَّسِيئَة بِحَدِيثِ " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة " ,
وَعَارَضَهُ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة فِي الْحُكْم وَلَمْ يُخَالِفُوهُ
فِي فَهْمه فَكَانَ كَالِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهَا تُفِيد
الْحَصْر . وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا تَرَكُوا
الْمُعَارَضَة بِذَلِكَ تَنَزُّلًا . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : يُحْتَمَل أَنْ
يَكُون اِعْتِمَادهمْ عَلَى قَوْله " لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَة "
لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث الْمَذْكُور , فَلَا يُفِيد
ذَلِكَ فِي رَدّ إِفَادَة الْحَصْر , بَلْ يُقَوِّيه وَيُشْعِر بِأَنَّ
مُفَاد الصِّيغَتَيْنِ عِنْدهمْ وَاحِد , وَإِلَّا لَمَا اِسْتَعْمَلُوا
هَذِهِ مَوْضِع هَذِهِ . وَأَوْضَح مِنْ هَذَا حَدِيث " إِنَّمَا الْمَاء
مِنْ الْمَاء " فَإِنَّ الصَّحَابَة الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَمْ
يُعَارِضهُمْ الْجُمْهُور فِي فَهْم الْحَصْر مِنْهُ , وَإِنَّمَا
عَارَضَهُمْ فِي الْحُكْم مِنْ أَدِلَّة أُخْرَى كَحَدِيثِ " إِذَا
اِلْتَقَى الْخِتَانَانِ " وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : إِنَّمَا لَفْظ لَا
يُفَارِقهُ الْمُبَالَغَة وَالتَّأْكِيد حَيْثُ وَقَعَ , وَيَصْلُح مَعَ
ذَلِكَ لِلْحَصْرِ إِنْ دَخَلَ فِي قِصَّة سَاعَدَتْ عَلَيْهِ , فَجُعِلَ
وُرُوده لِلْحَصْرِ مَجَازًا يَحْتَاج إِلَى قَرِينَة , وَكَلَام غَيْره
عَلَى الْعَكْس مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ أَصْل وُرُودهَا لِلْحَصْرِ , لَكِنْ
قَدْ يَكُون فِي شَيْء مَخْصُوص كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّمَا اللَّه
إِلَه وَاحِد ) فَإِنَّهُ سِيقَ بِاعْتِبَارِ مُنْكِرِي الْوَحْدَانِيَّة ,
وَإِلَّا فَلِلَّهِ سُبْحَانه صِفَات أُخْرَى كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَة ,
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِر ) فَإِنَّهُ سِيقَ
بِاعْتِبَارِ مُنْكِرِي الرِّسَالَة , وَإِلَّا فَلَهُ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِفَات أُخْرَى كَالْبِشَارَةِ , إِلَى غَيْر ذَلِكَ
مِنْ الْأَمْثِلَة . وَهِيَ - فِيمَا يُقَال - السَّبَب فِي قَوْل مَنْ
مَنَعَ إِفَادَتهَا لِلْحَصْرِ مُطْلَقًا . ‏
‏( تَكْمِيل ) : ‏

فَالْحَمْل عَلَيْهَا
أَوْلَى . وَفِي هَذَا الْكَلَام إِيهَام أَنَّ بَعْض الْعُلَمَاء لَا
يَرَى بِاشْتِرَاطِ النِّيَّة , وَلَيْسَ الْخِلَاف بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ
إِلَّا فِي الْوَسَائِل , وَأَمَّا الْمَقَاصِد فَلَا اِخْتِلَاف بَيْنهمْ
فِي اِشْتِرَاط النِّيَّة لَهَا , وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ الْحَنَفِيَّة فِي
اِشْتِرَاطهَا لِلْوُضُوءِ , وَخَالَفَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي اِشْتِرَاطهَا
فِي التَّيَمُّم أَيْضًا . نَعَمْ بَيْن الْعُلَمَاء اِخْتِلَاف فِي
اِقْتِرَان النِّيَّة بِأَوَّلِ الْعَمَل كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي
مَبْسُوطَات الْفِقْه . ‏
‏( تَكْمِيل ) : ‏

‏كَذَا أُورِدَ هُنَا , وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَة الْجَمْع بِالْجَمْعِ ,
أَيْ كُلّ عَمَل بِنِيَّتِهِ . وَقَالَ الْخُوبِيّ كَأَنَّهُ أَشَارَ
بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّة تَتَنَوَّع كَمَا تَتَنَوَّع الْأَعْمَال
كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْه اللَّه أَوْ تَحْصِيل مَوْعُوده أَوْ
الِاتِّقَاء لِوَعِيدِهِ . وَوَقَعَ فِي مُعْظَم الرِّوَايَات بِإِفْرَادِ
النِّيَّة , وَوَجْهه أَنَّ مَحَلّ النِّيَّة الْقَلْب وَهُوَ مُتَّحِد
فَنَاسَبَ إِفْرَادهَا . بِخِلَافِ الْأَعْمَال فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَة
بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَة فَنَاسَبَ جَمْعهَا ; وَلِأَنَّ
النِّيَّة تَرْجِع إِلَى الْإِخْلَاص وَهُوَ وَاحِد لِلْوَاحِدِ الَّذِي
لَا شَرِيك لَهُ . وَوَقَعَتْ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّانَ بِلَفْظِ "
الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " بِحَذْفِ " إِنَّمَا " وَجَمْع الْأَعْمَال
وَالنِّيَّات , وَهِيَ مَا وَقَعَ فِي كِتَاب الشِّهَاب لِلْقُضَاعِيّ
وَوَصَلَهُ فِي مُسْنَده كَذَلِكَ , وَأَنْكَرَهُ أَبُو مُوسَى
الْمَدِينِيّ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيّ وَأَقَرَّهُ , وَهُوَ مُتَعَقَّب
بِرِوَايَةِ اِبْن حِبَّانَ , بَلْ وَقَعَ فِي رِوَايَة مَالِك عَنْ
يَحْيَى عِنْد الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الْإِيمَان بِلَفْظِ " الْأَعْمَال
بِالنِّيَّةِ " , وَكَذَا فِي الْعِتْق مِنْ رِوَايَة الثَّوْرِيّ , وَفِي
الْهِجْرَة مِنْ رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد , وَوَقَعَ عِنْده فِي
النِّكَاح بِلَفْظِ " الْعَمَل بِالنِّيَّةِ " بِإِفْرَادِ كُلّ مِنْهُمَا .
وَالنِّيَّة بِكَسْرِ النُّون وَتَشْدِيد التَّحْتَانِيَّة عَلَى
الْمَشْهُور , وَفِي بَعْض اللُّغَات بِتَخْفِيفِهَا . قَالَ
الْكَرْمَانِيُّ قَوْله " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " هَذَا
التَّرْكِيب يُفِيد الْحَصْر عِنْد الْمُحَقِّقِينَ , وَاخْتُلِفَ فِي
وَجْه إِفَادَته فَقِيلَ لِأَنَّ الْأَعْمَال جَمْع مُحَلًّى بِالْأَلِفِ
وَاللَّام مُفِيد لِلِاسْتِغْرَاقِ , وَهُوَ مُسْتَلْزِم لِلْقَصْرِ
لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُلّ عَمَل بِنِيَّةٍ فَلَا عَمَل إِلَّا بِنِيَّةٍ ,
وَقِيلَ لِأَنَّ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ , وَهَلْ إِفَادَتهَا لَهُ
بِالْمَنْطُوقِ أَوْ بِالْمَفْهُومِ , أَوْ تُفِيد الْحَصْر بِالْوَضْعِ
أَوْ الْعُرْف , أَوْ تُفِيدهُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْ بِالْمَجَازِ ؟
وَمُقْتَضَى كَلَام الْإِمَام وَأَتْبَاعه أَنَّهَا تُفِيدهُ
بِالْمَنْطُوقِ وَضْعًا حَقِيقِيًّا , بَلْ نَقَلَهُ شَيْخنَا شَيْخ
الْإِسْلَام عَنْ جَمِيع أَهْل الْأُصُول مِنْ الْمَذَاهِب الْأَرْبَعَة
إِلَّا الْيَسِير كَالْآمِدِيّ , وَعَلَى الْعَكْس مِنْ ذَلِكَ أَهْل
الْعَرَبِيَّة , وَاحْتَجَّ بَعْضهمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَصْرِ
لَمَا حَسُنَ إِنَّمَا قَامَ زَيْد فِي جَوَاب هَلْ قَامَ عَمْرو , أُجِيبَ
بِأَنَّهُ يَصِحّ أَنَّهُ يَقَع فِي مِثْل هَذَا الْجَوَاب مَا قَامَ
إِلَّا زَيْد وَهِيَ لِلْحَصْرِ اِتِّفَاقًا , وَقِيلَ : لَوْ كَانَتْ
لِلْحَصْرِ لَاسْتَوَى إِنَّمَا قَامَ زَيْد مَعَ مَا قَامَ إِلَّا زَيْد ,
وَلَا تَرَدُّد فِي أَنَّ الثَّانِي أَقْوَى مِنْ الْأَوَّل , وَأُجِيبَ
بِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ هَذِهِ الْقُوَّة نَفْي الْحَصْر فَقَدْ يَكُون
أَحَد اللَّفْظَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْآخَر مَعَ اِشْتِرَاكهمَا فِي أَصْل
الْوَضْع كَسَوْفَ وَالسِّين , وَقَدْ وَقَعَ اِسْتِعْمَال إِنَّمَا
مَوْضِع اِسْتِعْمَال النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) وَكَقَوْلِهِ : ( وَمَا
تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) وَقَوْله : ( إِنَّمَا عَلَى
رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبِين ) وَقَوْله : ( مَا عَلَى الرَّسُول إِلَّا
الْبَلَاغ ) وَمِنْ شَوَاهِده قَوْل الْأَعْشَى : ‏ ‏وَلَسْت
بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ‏ ‏وَإِنَّمَا الْعِزَّة لِلْكَاثِرِ ‏
‏يَعْنِي مَا ثَبَتَتْ الْعِزَّة إِلَّا لِمَنْ كَانَ أَكْثَر حَصًى .
وَاخْتَلَفُوا : هَلْ هِيَ بَسِيطَة أَوْ مُرَكَّبَة , فَرَجَّحُوا
الْأَوَّل , وَقَدْ يُرَجَّح الثَّانِي , وَيُجَاب عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ
مِنْ قَوْلهمْ إِنَّ " إِنَّ " لِلْإِثْبَاتِ وَ " مَا " لِلنَّفْيِ
فَيَسْتَلْزِم اِجْتِمَاع الْمُتَضَادَّيْنِ عَلَى صَدَد وَاحِد بِأَنْ
يُقَال مَثَلًا : أَصْلهمَا كَانَ لِلْإِثْبَاتِ وَالنَّفْي , لَكِنَّهُمَا
بَعْد التَّرْكِيب لَمْ يَبْقَيَا عَلَى أَصْلهمَا بَلْ أَفَادَا شَيْئًا
آخَر , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْكَرْمَانِيُّ قَالَ : وَأَمَّا قَوْل مَنْ
قَالَ إِفَادَة هَذَا السِّيَاق لِلْحَصْرِ مِنْ جِهَة أَنَّ فِيهِ
تَأْكِيدًا بَعْد تَأْكِيد وَهُوَ الْمُسْتَفَاد مِنْ إِنَّمَا وَمِنْ
الْجَمْع , فَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مِنْ بَاب إِيهَام الْعَكْس ; لِأَنَّ
ق
‏الْأَعْمَال تَقْتَضِي عَامِلَيْنِ , وَالتَّقْدِير : الْأَعْمَال
الصَّادِرَة مِنْ الْمُكَلَّفِينَ , وَعَلَى هَذَا هَلْ تَخْرُج أَعْمَال
الْكُفَّار ؟ الظَّاهِر الْإِخْرَاج ; لِأَنَّ الْمُرَاد بِالْأَعْمَالِ
أَعْمَال الْعِبَادَة وَهِيَ لَا تَصِحّ مِنْ الْكَافِر وَإِنْ كَانَ
مُخَاطَبًا بِهَا مُعَاقَبًا عَلَى تَرْكهَا وَلَا يُرَدّ الْعِتْق
وَالصَّدَقَة لِأَنَّهُمَا بِدَلِيلٍ آخَر . ‏ ‏قَوْله : (
بِالنِّيَّاتِ ) الْبَاء لِلْمُصَاحَبَةِ , وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون
لِلسَّبَبِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا مُقَوِّمَة لِلْعَمَلِ فَكَأَنَّهَا
سَبَب فِي إِيجَاده , وَعَلَى الْأَوَّل فَهِيَ مِنْ نَفْس الْعَمَل
فَيُشْتَرَط أَنْ لَا تَتَخَلَّف عَنْ أَوَّله . قَالَ النَّوَوِيّ :
النِّيَّة الْقَصْد , وَهِيَ عَزِيمَة الْقَلْب . وَتَعَقَّبَهُ
الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَزِيمَة الْقَلْب قَدْر زَائِد عَلَى أَصْل
الْقَصْد . وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء هَلْ هِيَ رُكْن أَوْ شَرْط ؟
وَالْمُرَجَّح أَنَّ إِيجَادهَا ذِكْرًا فِي أَوَّل الْعَمَل رُكْن ,
وَاسْتِصْحَابهَا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنْ لَا يَأْتِي بِمُنَافٍ شَرْعًا
شَرْطٌ . وَلَا بُدّ مِنْ مَحْذُوف يَتَعَلَّق بِهِ الْجَارّ وَالْمَجْرُور
, فَقِيلَ تُعْتَبَر وَقِيلَ تُكَمِّل وَقِيلَ تَصِحّ وَقِيلَ تَحْصُل
وَقِيلَ تَسْتَقِرّ . قَالَ الطِّيبِيُّ : كَلَام الشَّارِع مَحْمُول عَلَى
بَيَان الشَّرْع ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ هُمْ أَهْل اللِّسَان
, فَكَأَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْم إِلَّا مِنْ
قِبَل الشَّارِع , فَيَتَعَيَّن الْحَمْل عَلَى مَا يُفِيد الْحُكْم
الشَّرْعِيّ . وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ : النِّيَّة عِبَارَة عَنْ
اِنْبِعَاث الْقَلْب نَحْو مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْب
نَفْع أَوْ دَفْع ضُرّ حَالًا أَوْ مَآلًا , وَالشَّرْع خَصَّصَهُ
بِالْإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَة نَحْو الْفِعْل لِابْتِغَاءِ رِضَاء اللَّه
وَامْتِثَال حُكْمه . وَالنِّيَّة فِي الْحَدِيث مَحْمُولَة عَلَى
الْمَعْنَى اللُّغَوِيّ لِيَحْسُن تَطْبِيقه عَلَى مَا بَعْده وَتَقْسِيمه
أَحْوَال الْمُهَاجِر , فَإِنَّهُ تَفْصِيل لِمَا أُجْمِلَ , وَالْحَدِيث
مَتْرُوك الظَّاهِر لِأَنَّ الذَّوَات غَيْر مُنْتَفِيَة , إِذْ
التَّقْدِير : لَا عَمَل إِلَّا بِالنِّيَّةِ , فَلَيْسَ الْمُرَاد نَفْي
ذَات الْعَمَل لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَد بِغَيْرِ نِيَّة , بَلْ الْمُرَاد
نَفْي أَحْكَامهَا كَالصِّحَّةِ وَالْكَمَال , لَكِنَّ الْحَمْل عَلَى
نَفْي الصِّحَّة أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْبَه بِنَفْيِ الشَّيْء نَفْسه ;
وَلِأَنَّ اللَّفْظ دَلَّ عَلَى نَفْي الذَّات بِالتَّصْرِيحِ وَعَلَى
نَفْي الصِّفَات بِالتَّبَعِ , فَلَمَّا مَنَعَ الدَّلِيل نَفْي الذَّات
بَقِيَتْ دَلَالَته عَلَى نَفْي الصِّفَات مُسْتَمِرَّة . وَقَالَ شَيْخنَا
شَيْخ الْإِسْلَام : الْأَحْسَن تَقْدِير مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَعْمَال
تَتْبَع النِّيَّة , لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيث " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته "
إِلَى آخِره . وَعَلَى هَذَا يُقَدَّر الْمَحْذُوف كَوْنًا مُطْلَقًا مِنْ
اِسْم فَاعِل أَوْ فِعْل . ثُمَّ لَفْظ الْعَمَل يَتَنَاوَل فِعْل
الْجَوَارِح حَتَّى اللِّسَان فَتَدْخُل الْأَقْوَال . قَالَ اِبْن دَقِيق
الْعِيد : وَأَخْرَجَ بَعْضهمْ الْأَقْوَال وَهُوَ بَعِيد , وَلَا تَرَدُّد
عِنْدِي فِي أَنَّ الْحَدِيث يَتَنَاوَلهَا . وَأَمَّا التُّرُوكُ فَهِيَ
وَإِنْ كَانَتْ فِعْل كَفّ لَكِنْ لَا يُطْلَق عَلَيْهَا لَفْظ الْعَمَل .
وَقَدْ تُعُقِّبَ عَلَى مَنْ يُسَمِّي الْقَوْل عَمَلًا لِكَوْنِهِ عَمَل
اللِّسَان , بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَل عَمَلًا فَقَالَ قَوْلًا لَا
يَحْنَث . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَرْجِع الْيَمِين إِلَى الْعُرْف ,
وَالْقَوْل لَا يُسَمَّى عَمَلًا فِي الْعُرْف وَلِهَذَا يُعْطَف عَلَيْهِ .
وَالتَّحْقِيق أَنَّ الْقَوْل لَا يَدْخُل فِي الْعَمَل حَقِيقَة
وَيَدْخُل مَجَازًا , وَكَذَا الْفِعْل , لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَوْ
شَاءَ رَبّك مَا فَعَلُوهُ ) بَعْد قَوْله : ( زُخْرُف الْقَوْل ) .
وَأَمَّا عَمَل الْقَلْب كَالنِّيَّةِ فَلَا يَتَنَاوَلهَا الْحَدِيث
لِئَلَّا يَلْزَم التَّسَلْسُل , وَالْمَعْرِفَة : وَفِي تَنَاوُلهَا نَظَر
, قَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مُحَال لِأَنَّ النِّيَّة قَصْد الْمَنَوِيّ ,
وَإِنَّمَا يَقْصِد الْمَرْء مَا يَعْرِف فَيَلْزَم أَنْ يَكُون عَارِفًا
قَبْل الْمَعْرِفَة . وَتَعَقَّبَهُ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام سِرَاج
الدِّين الْبُلْقِينِيّ بِمَا حَاصِله : إِنْ كَانَ الْمُرَاد
بِالْمَعْرِفَةِ مُطْلَق الشُّعُور فَمُسَلَّم , وَإِنْ كَانَ الْمُرَاد
النَّظَر فِي الدَّلِيل فَلَا ; لِأَنَّ كُلّ ذِي عَقْل يَشْعُر مَثَلًا
بِأَنَّ لَهُ مَنْ يُدَبِّرهُ , فَإِذَا أَخَذَ فِي النَّظَر فِي الدَّلِيل
عَلَيْهِ لِيَتَحَقَّقهُ لَمْ تَكُنْ النِّيَّة حِينَئِذٍ مُحَالًا .
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : الَّذِينَ اِشْتَرَطُوا النِّيَّة
قَدَّرُوا صِحَّة الْأَعْمَال , وَاَلَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوهَا
قَدَّرُوا كَمَال الْأَعْمَال , وَرُجِّحَ الْأَوَّل بِأَنَّ الصِّحَّة
أَكْثَر لُزُومًا لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْكَمَال ‏الظَّاهِر أَنَّ
الْأَلِف وَاللَّام فِي النِّيَّات مُعَاقِبَة لِلضَّمِيرِ , وَالتَّقْدِير
الْأَعْمَال بِنِيَّاتِهَا , وَعَلَى هَذَا فَيَدُلّ عَلَى اِعْتِبَار
نِيَّة الْعَمَل مِنْ كَوْنه مَثَلًا صَلَاة أَوْ غَيْرهَا , وَمِنْ
كَوْنهَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا , ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ عَصْرًا ,
مَقْصُورَة أَوْ غَيْر مَقْصُورَة وَهَلْ يُحْتَاج فِي مِثْل هَذَا إِلَى
تَعْيِين الْعَدَد ؟ فِيهِ بَحْث . وَالرَّاجِح الِاكْتِفَاء بِتَعْيِينِ
الْعِبَادَة الَّتِي لَا تَنْفَكّ عَنْ الْعَدَد الْمُعَيَّن ,
كَالْمُسَافِرِ مَثَلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُر إِلَّا بِنِيَّةِ
الْقَصْر , لَكِنْ لَا يَحْتَاج إِلَى نِيَّة رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ
هُوَ مُقْتَضَى الْقَصْر وَاَللَّه أَعْلَم . ‏

‏قَوْله : ( وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى ) ‏
ن الْمَتْرُوك
لَا يَحْتَاج إِلَى نِيَّة بِأَنَّ التَّرْك فِعْل وَهُوَ كَفّ النَّفْس ,
وَبِأَنَّ التُّرُوك إِذَا أُرِيدَ بِهَا تَحْصِيل الثَّوَاب بِامْتِثَالِ
أَمْر الشَّارِع فَلَا بُدّ فِيهَا مِنْ قَصْد التَّرْك , وَتُعُقِّبَ
بِأَنَّ قَوْله " التَّرْك فِعْل " مُخْتَلَف فِيهِ , وَمِنْ حَقّ
الْمُسْتَدِلّ عَلَى الْمَانِع أَنْ يَأْتِي بِأَمْرٍ مُتَّفَق عَلَيْهِ .
وَأَمَّا اِسْتِدْلَاله الثَّانِي فَلَا يُطَابِق الْمَوْرِد ; لِأَنَّ
الْمَبْحُوث فِيهِ هَلْ تَلْزَم النِّيَّة فِي التُّرُوك بِحَيْثُ يَقَع
الْعِقَاب بِتَرْكِهَا ؟ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ هَلْ يَحْصُل الثَّوَاب
بِدُونِهَا ؟ وَالتَّفَاوُت بَيْن الْمَقَامَيْنِ ظَاهِر . وَالتَّحْقِيق
أَنَّ التَّرْك الْمُجَرَّد لَا ثَوَاب فِيهِ , وَإِنَّمَا يَحْصُل
الثَّوَاب بِالْكَفِّ الَّذِي هُوَ فِعْل النَّفْس , فَمَنْ لَمْ تَخْطِر
الْمَعْصِيَة بِبَالِهِ أَصْلًا لَيْسَ كَمَنْ خَطَرَتْ فَكَفَّ نَفْسه
عَنْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّه تَعَالَى , فَرَجَعَ الْحَال إِلَى أَنَّ
الَّذِي يَحْتَاج إِلَى النِّيَّة هُوَ الْعَمَل بِجَمِيعِ وُجُوهه , لَا
التَّرْك الْمُجَرَّد . وَاَللَّه أَعْلَم . ‏
‏( تَنْبِيه ) : ‏

‏قَالَ الْقُرْطُبِيّ : فِيهِ تَحْقِيق لِاشْتِرَاطِ النِّيَّة
وَالْإِخْلَاص فِي الْأَعْمَال , فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهَا مُؤَكَّدَة ,
وَقَالَ غَيْره : بَلْ تُفِيد غَيْر مَا أَفَادَتْهُ الْأُولَى ; لِأَنَّ
الْأُولَى نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْعَمَل يَتْبَع النِّيَّة وَيُصَاحِبهَا
, فَيَتَرَتَّب الْحُكْم عَلَى ذَلِكَ , وَالثَّانِيَة أَفَادَتْ أَنَّ
الْعَامِل لَا يَحْصُل لَهُ إِلَّا مَا نَوَاهُ وَقَالَ اِبْن دَقِيق
الْعِيد : الْجُمْلَة الثَّانِيَة تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا
يَحْصُل لَهُ - يَعْنِي إِذَا عَمِلَهُ بِشَرَائِطِهِ - أَوْ حَال دُون
عَمَله لَهُ مَا يُعْذَر شَرْعًا بِعَدَمِ عَمَله وَكُلّ مَا لَمْ يَنْوِهِ
لَمْ يَحْصُل لَهُ . وَمُرَاده بِقَوْلِهِ " مَا لَمْ يَنْوِهِ " أَيْ لَا
خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا , أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مَخْصُوصًا
لَكِنْ كَانَتْ هُنَاكَ نِيَّة عَامَّة تَشْمَلهُ فَهَذَا مِمَّا
اِخْتَلَفَتْ فِيهِ أَنْظَار الْعُلَمَاء . وَيَتَخَرَّج عَلَيْهِ مِنْ
الْمَسَائِل مَا لَا يُحْصَى . وَقَدْ يَحْصُل غَيْر الْمَنَوِيّ
لِمُدْرَكٍ آخَر كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد فَصَلَّى الْفَرْض أَوْ
الرَّاتِبَة قَبْل أَنْ يَقْعُد فَإِنَّهُ يَحْصُل لَهُ تَحِيَّة
الْمَسْجِد نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا ; لِأَنَّ الْقَصْد
بِالتَّحِيَّةِ شَغْل الْبُقْعَة وَقَدْ حَصَلَ , وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ
اِغْتَسَلَ يَوْم الْجُمُعَة عَنْ الْجَنَابَة فَإِنَّهُ لَا يَحْصُل لَهُ
غُسْل الْجُمُعَة عَلَى الرَّاجِح ; لِأَنَّ غُسْل الْجُمُعَة يُنْظَر
فِيهِ إِلَى التَّعَبُّد لَا إِلَى مَحْض التَّنْظِيم فَلَا بُدّ فِيهِ
مِنْ الْقَصْد إِلَيْهِ , بِخِلَافِ تَحِيَّة الْمَسْجِد وَاَللَّه أَعْلَم
. وَقَالَ النَّوَوِيّ : أَفَادَتْ الْجُمْلَة الثَّانِيَة اِشْتِرَاط
تَعْيِين الْمَنْوِيّ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاة فَائِتَة لَا يَكْفِيه أَنْ
يَنْوِي الْفَائِتَة فَقَطْ حَتَّى يُعَيِّنهَا ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ
عَصْرًا , وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّه مَا إِذَا لَمْ تَنْحَصِر
الْفَائِتَة . وَقَالَ اِبْن السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ : أَفَادَتْ
أَنَّ الْأَعْمَال الْخَارِجَة عَنْ الْعِبَادَة لَا تُفِيد الثَّوَاب
إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا فَاعِلهَا الْقُرْبَةَ , كَالْأَكْلِ إِذَا نَوَى
بِهِ الْقُوَّة عَلَى الطَّاعَة . وَقَالَ غَيْره : أَفَادَتْ أَنَّ
النِّيَابَة لَا تَدْخُل فِي النِّيَّة , فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْل ,
فَلَا يَرِدُ مِثْل نِيَّة الْوَلِيّ عَنْ الصَّبِيّ وَنَظَائِره
فَإِنَّهَا عَلَى خِلَاف الْأَصْل . وَقَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام :
الْجُمْلَة الْأُولَى لِبَيَانِ مَا يُعْتَبَر مِنْ الْأَعْمَال ,
وَالثَّانِيَة لِبَيَانِ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا . وَأَفَادَ أَنَّ
النِّيَّة إِنَّمَا تُشْتَرَط فِي الْعِبَادَة الَّتِي لَا تَتَمَيَّز
بِنَفْسِهَا , وَأَمَّا مَا يَتَمَيَّز بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِف
بِصُورَتِهِ إِلَى مَا وُضِعَ لَهُ كَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَة
وَالتِّلَاوَة لِأَنَّهَا لَا تَتَرَدَّد بَيْن الْعِبَادَة وَالْعَادَة .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى أَصْل
الْوَضْع , أَمَّا مَا حَدَثَ فِيهِ عُرْف كَالتَّسْبِيحِ لِلتَّعَجُّبِ
فَلَا , وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ قَصَدَ بِالذِّكْرِ الْقُرْبَة إِلَى اللَّه
تَعَالَى لَكَانَ أَكْثَر ثَوَابًا , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْغَزَالِيّ :
حَرَكَة اللِّسَان بِالذِّكْرِ مَعَ الْغَفْلَة عَنْهُ تُحَصِّل الثَّوَاب ;
لِأَنَّهُ خَيْر مِنْ حَرَكَة اللِّسَان بِالْغِيبَةِ , بَلْ هُوَ خَيْر
مِنْ السُّكُوت مُطْلَقًا , أَيْ الْمُجَرَّد عَنْ التَّفَكُّر . قَالَ :
وَإِنَّمَا هُوَ نَاقِص بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَمَل الْقَلْب اِنْتَهَى .
وَيُؤَيِّدهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي بُضْع
أَحَدكُمْ صَدَقَة " ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَاب عَنْ قَوْلهمْ " أَيَأْتِي
أَحَدنَا شَهْوَته وَيُؤْجَر ؟ " : " أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَام "
. وَأُورِدَ عَلَى إِطْلَاق الْغَزَالِيّ أَنَّهُ يَلْزَم مِنْهُ أَنَّ
الْمَرْء يُثَاب عَلَى فِعْل مُبَاح لِأَنَّهُ خَيْر مِنْ فِعْل الْحَرَام ,
وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَاده . وَخُصَّ مِنْ عُمُوم الْحَدِيث مَا يُقْصَد
حُصُوله فِي الْجُمْلَة فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاج إِلَى نِيَّة تَخُصّهُ
كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِد كَمَا تَقَدَّمَ , وَكَمَنَ مَاتَ زَوْجهَا فَلَمْ
يَبْلُغهَا الْخَبَر إِلَّا بَعْد مُدَّة الْعِدَّة فَإِنَّ عِدَّتهَا
تَنْقَضِي ; لِأَنَّ الْمَقْصُود حُصُول بَرَاءَة الرَّحِم وَقَدْ وُجِدَتْ
, وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَحْتَجْ الْمَتْرُوك إِلَى نِيَّة . وَنَازَعَ
الْكَرْمَانِيُّ فِي إِطْلَاق الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين كَوْ
‏قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : إِذَا قُلْنَا إِنَّ تَقْدِيم الْخَبَر عَلَى
الْمُبْتَدَأ يُفِيد الْقَصْر فَفِي قَوْله " وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ
مَا نَوَى " نَوْعَانِ مِنْ الْحَصْر : قَصْر الْمُسْنَد عَلَى الْمُسْنَد
إِلَيْهِ إِذْ الْمُرَاد إِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَاهُ ,
وَالتَّقْدِيم الْمَذْكُور . ‏

‏قَوْله : ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى دُنْيَا ) ‏
ْ كَانَتْ
هِجْرَته إِلَى دُنْيَا يُصِيبهَا " , فَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون رِوَايَة
الْحُمَيْدِيّ وَقَعَتْ عِنْد الْبُخَارِيّ كَذَلِكَ فَتَكُون الْجُمْلَة
الْمَحْذُوفَة هِيَ الْأَخِيرَة كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَة مَنْ يَقْتَصِر
عَلَى بَعْض الْحَدِيث . وَعَلَى تَقْدِير أَنْ لَا يَكُون ذَلِكَ فَهُوَ
مَصِير مِنْ الْبُخَارِيّ إِلَى جَوَاز الِاخْتِصَار فِي الْحَدِيث وَلَوْ
مِنْ أَثْنَائِهِ . وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ
الْكَرْمَانِيُّ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع : إِنْ كَانَ الْحَدِيث عِنْد
الْبُخَارِيّ تَامًّا لِمَ خَرَمَهُ فِي صَدْر الْكِتَاب , مَعَ أَنَّ
الْخَرْم مُخْتَلَف فِي جَوَازه ؟ قُلْت : لَا جَزْم بِالْخَرْمِ ; لِأَنَّ
الْمَقَامَات مُخْتَلِفَة , فَلَعَلَّهُ - فِي مَقَام بَيَان أَنَّ
الْإِيمَان بِالنِّيَّةِ وَاعْتِقَاد الْقَلْب - سَمِعَ الْحَدِيث تَامًّا ,
وَفِي مَقَام أَنَّ الشُّرُوع فِي الْأَعْمَال إِنَّمَا يَصِحّ
بِالنِّيَّةِ سَمِعَ ذَلِكَ الْقَدْر الَّذِي رُوِيَ . ثُمَّ الْخَرْم
يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْ بَعْض شُيُوخ الْبُخَارِيّ لَا مِنْهُ , ثُمَّ
إِنْ كَانَ مِنْهُ فَخَرَمَهُ ثَمَّ لِأَنَّ الْمَقْصُود يَتِمّ بِذَلِكَ
الْمِقْدَار . فَإِنْ قُلْت : فَكَانَ الْمُنَاسِب أَنْ يَذْكُر عِنْد
الْخَرْم الشِّقّ الَّذِي يَتَعَلَّق بِمَقْصُودِهِ , وَهُوَ أَنَّ
النِّيَّة يَنْبَغِي أَنْ تَكُون لِلَّهِ وَرَسُوله . قُلْت : لَعَلَّهُ
نَظَرَ إِلَى مَا هُوَ الْغَالِب الْكَثِير بَيْن النَّاس . اِنْتَهَى .
وَهُوَ كَلَام مَنْ لَمْ يَطَّلِع عَلَى شَيْء مِنْ أَقْوَال مَنْ قَدَّمْت
ذِكْره مِنْ الْأَئِمَّة عَلَى هَذَا الْحَدِيث , وَلَا سِيَّمَا كَلَام
اِبْن الْعَرَبِيّ . وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : إِنَّ إِيرَاد الْحَدِيث
تَامًّا تَارَة وَغَيْر تَامّ تَارَة إِنَّمَا هُوَ اِخْتِلَاف الرُّوَاة ,
فَكُلّ مِنْهُمْ قَدْ رَوَى مَا سَمِعَهُ فَلَا خَرْم مِنْ أَحَد ,
وَلَكِنَّ الْبُخَارِيّ يَذْكُرهَا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يُنَاسِب
كُلًّا مِنْهَا بِحَسَبِ الْبَاب الَّذِي يَضَعهُ تَرْجَمَة لَهُ ,
اِنْتَهَى وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِع عَلَى حَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ
بِسَنَدٍ وَاحِد مِنْ اِبْتِدَائِهِ إِلَى اِنْتِهَائِهِ فَسَاقَهُ فِي
مَوْضِع تَامًّا وَفِي مَوْضِع مُقْتَصِرًا عَلَى بَعْضه , وَهُوَ كَثِير
جِدًّا فِي الْجَامِع الصَّحِيح , فَلَا يَرْتَاب مَنْ يَكُون الْحَدِيث
صِنَاعَته أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفه ; لِأَنَّهُ عُرِفَ
بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ صَنِيعه أَنَّهُ لَا يَذْكُر الْحَدِيث الْوَاحِد
فِي مَوْضِع عَلَى وَجْهَيْنِ , بَلْ إِنْ كَانَ لَهُ أَكْثَر مِنْ سَنَد
عَلَى شَرْطه ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِع الثَّانِي بِالسَّنَدِ الثَّانِي
وَهَكَذَا مَا بَعْده , وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطه يُعَلِّقهُ فِي
الْمَوْضِع الْآخَر تَارَة بِالْجَزْمِ إِنْ كَانَ صَحِيحًا وَتَارَة
بِغَيْرِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ شَيْء , وَمَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَنَد
وَاحِد يَتَصَرَّف فِي مَتْنه بِالِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضه بِحَسَبِ مَا
يَتَّفِق , وَلَا يُوجَد فِيهِ حَدِيث وَاحِد مَذْكُور بِتَمَامِهِ سَنَدًا
وَمَتْنًا فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَر إِلَّا نَادِرًا , فَقَدْ عَنِيَ
بَعْض مَنْ لَقِيته بِتَتَبُّعِ ذَلِكَ فَحَصَّلَ مِنْهُ نَحْو عِشْرِينَ
مَوْضِعًا . ‏

‏كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع الْأُصُول الَّتِي اِتَّصَلَتْ لَنَا عَنْ
الْبُخَارِيّ بِحَذْفِ أَحَد وَجْهَيْ التَّقْسِيم وَهُوَ قَوْله " فَمَنْ
كَانَتْ هِجْرَته إِلَى اللَّه وَرَسُوله إِلَخْ " قَالَ الْخَطَّابِيُّ :
وَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي رِوَايَتنَا وَجَمِيع نُسَخ أَصْحَابنَا
مَخْرُومًا قَدْ ذَهَبَ شَطْره , وَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ هَذَا
الْإِغْفَال , وَمِنْ جِهَة مَنْ عَرَضَ مِنْ رُوَاته ؟ فَقَدْ ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيّ مِنْ غَيْر طَرِيق الْحُمَيْدِيّ مُسْتَوْفًى , وَقَدْ
رَوَاهُ لَنَا الْأَثْبَاتُ مِنْ طَرِيق الْحُمَيْدِيّ تَامًّا , وَنَقَلَ
اِبْن التِّين كَلَام الْخَطَّابِيّ مُخْتَصَرًا وَفُهِمَ مِنْ قَوْله
مَخْرُومًا أَنَّهُ قَدْ يُرِيد أَنَّ فِي السَّنَد اِنْقِطَاعًا فَقَالَ
مِنْ قِبَل نَفْسه لِأَنَّ الْبُخَارِيّ لَمْ يَلْقَ الْحُمَيْدِيّ ,
وَهُوَ مِمَّا يُتَعَجَّب مِنْ إِطْلَاقه مَعَ قَوْل الْبُخَارِيّ "
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيّ " وَتَكْرَار ذَلِكَ مِنْهُ فِي هَذَا الْكِتَاب ,
وَجَزَمَ كُلّ مَنْ تَرْجَمَهُ بِأَنَّ الْحُمَيْدِيّ مِنْ شُيُوخه فِي
الْفِقْه وَالْحَدِيث , وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي مَشْيَخَته : لَا
عُذْر لِلْبُخَارِيِّ فِي إِسْقَاطه لِأَنَّ الْحُمَيْدِيّ شَيْخه فِيهِ
قَدْ رَوَاهُ فِي مُسْنَده عَلَى التَّمَام . قَالَ : وَذَكَرَ قَوْم
أَنَّهُ لَعَلَّهُ اِسْتَمْلَاهُ مِنْ حِفْظ الْحُمَيْدِيّ فَحَدَّثَهُ
هَكَذَا فَحَدَّثَ عَنْهُ كَمَا سَمِعَ أَوْ حَدَّثَهُ بِهِ تَامًّا
فَسَقَطَ مِنْ حِفْظ الْبُخَارِيّ . قَالَ : وَهُوَ أَمْر مُسْتَبْعَد
جِدًّا عِنْد مَنْ اِطَّلَعَ عَلَى أَحْوَال الْقَوْم . وَقَالَ
الدَّاوُدِيّ الشَّارِح : الْإِسْقَاط فِيهِ مِنْ الْبُخَارِيّ فَوُجُوده
فِي رِوَايَة شَيْخه وَشَيْخ شَيْخه يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ اِنْتَهَى .
وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق بِشْر بْن مُوسَى وَأَبِي إِسْمَاعِيل
التِّرْمِذِيّ وَغَيْر وَاحِد عَنْ الْحُمَيْدِيّ تَامًّا , وَهُوَ فِي
مُصَنَّف قَاسِم بْن أَصْبَغ وَمُسْتَخْرَجَيْ أَبِي نُعَيْم وَصَحِيح
أَبِي عَوَانَة مِنْ طَرِيق الْحُمَيْدِيّ , فَإِنْ كَانَ الْإِسْقَاط مِنْ
غَيْر الْبُخَارِيّ فَقَدْ يُقَال : لِمَ اِخْتَارَ الِابْتِدَاء بِهَذَا
السِّيَاق النَّاقِص ؟ وَالْجَوَاب قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ ,
وَأَنَّهُ اِخْتَارَ الْحُمَيْدِيّ لِكَوْنِهِ أَجَلّ مَش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
موسوعة الحديث الشريف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موسوعة الحديث الشريف
» شاب يضرب وجه أبيه بالمصحف الشريف
»  الحديث الصحيح عند اهل السنه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
تبلــــبالـــة :: منتدى الأسلاميات-
انتقل الى: