أهم ما تضمنته الأحاديث السابقة :
|
الحــــب : وهو الرباطُ الروحي الذي يجمع كلَّ الناس على الخير ، ولاسيما أقارب الإنسان ، ومَنْ أولى مِنَ الولد ، فلذة الكبد بهذا الحب ؟والرحمة : واحةٌ إنسانيةٌ عميقةٌ ، تجمع الناسَ في حضنها الحاني العطوفِ ، فتؤكِّد فيهم نوازعَ الخيرِ والإنسانيةِ .والوفــاء بالوعد مِن الوالدِ للولد ، دليلٌ على العواطفِ الصادقةِ النبيلةِ ، الوفاءُ بالوعدِ واجبٌ أخلاقي تحتِّمه الشرائعُ ، وتوجبُهُ فرائضُ الأديانُ ، إلا أنه للولد أوجبُ ما يكون؛ لينظرَ إلى أبيه نظرةَ التقديرِ والإكبارِ . وملازمةُ الوالدين لولدهم تغرِسُ فيه نوازعَ كريمةً ، وتطبعُه بطابعٍ إنسانيٍّ نبيلٍ ، وتقوِّم طبعَه وخلقَه ، وتُنشِّئة تَنْشئةً صالحةً ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُم)) .[ رواه ابن ماجه عن أَنَسٌ]
يريد الرسول بذلك ألاَّ تتركوهم هملاً دون راع ، أو تتركوهم وتدَعُوهم لغيركم ، فذلك حريٌّ أن يهزَّ معاييرَ الأخلاق بذواتهم ، ويبذر بذورَ الشر في نفوسهم .
دور المعلم الواعي في تربية الأولاد :
|
ولا يقل دور المعلم الواعي لخطورة رسالته ، المخلص في أداء عمله ، عن دور الأب ، قال عتبة بن أبي سفيان يوصي مؤدِّب ولده : " ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك ، فإن عيونهم معقودة بعينك ، فالحسن عندهم ما استحسنت ، والقبيح ما استقبحت " .وروى ابن خلدون أن هارون الرشيد قال لمعلم ولده الأمين : " إنَّ أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه ، وثمرة قلبه ، فصيَّر يدك عليه مبسوطة ، وطاعته لك واجبة ، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين ، أقرِئه القرآن ، وعرِّفه الأخبار ، وروِّه الأشعار ، وعلِّمه السنن ، وبصِّره بمواقع الكلام ، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته ، ولا تمرَّن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها ، من غير أن تحزنه ، فتميت ذهنه ، ولا تُمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ، ويألفه ، وقوّمه ما استطعت بالحكمة والملاينة " .
أهمية تربية الطفل في سنّه الأولى :
|
وقد نبَّه علماء التربية الإسلامية كالغزالي وابن خلدون على أهمية تربية الطفل في سنّه الأولى ، لأنه في هذه الفترة تغرس فيه الأخلاق ، وتربي فيها العواطف والمفاهيم ، فقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ)). [ أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
كما نبَّه القرآنُ على أنّ الإسلام هو دين الفطرة ، قال تعالى : ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه﴾
( سورة الروم الآية : 30)
إنّ الأدبَ مطلوبٌ في فترة الطفولة ؛ لينشأ الطفلُ على محامدِ الأفعالِ ، ومكارمِ الأخلاق ، قال تعالى :﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6) ﴾ .( سورة التحريم الآية : 6 )
قال ابن عباس : في معنى قوله تعالى : ﴿ قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ ، أيْ أدِّبوهم وعلِّموهم ، وقد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاً : (( لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ)). [ أخرجه الترمذي وأحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ]
الإسلام قَرَنَ تربية الأولاد بوعدين كبيرين للآباء في الدنيا والآخرة :
|
إنَّنا حين نؤدِّب أولادَنا إنما نقدِّم للحياةِ عنصراً نظيفاً ، وللمجتمع لَبِنَةً صالحةً ، وهذا ما تهدِفُ إليه التربيةُ الإسلاميةُ ، والإسلامُ بدوره يَعِدُ الآباءَ سعادةً في الدنيا ، وهي قُرَّةُ العَيْنِ ، قال تعالى :﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ .
( سورة الفرقان )
ويَعِدُ الآباءَ جنّةً فِي الآخرةِ ففيها مَا لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بَشَرٍ ، قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ (21) ﴾( سورة الطور)
إن الإسلام قَرَنَ تربيةَ الأولاد بهذين الوعدين الكبيرين في الدنيا والآخرة ؛ ليكونَ ذلك حافزاً للأبِ والأمِّ ، على أنْ يربِّيَا أولادهما ، وأنْ يُحْسِنَا تأديبَهما ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ)) .[ انفرد به ابن ماجة َعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
ورحم الله مَن قال : " لاعِبْ ولدك سبعاً ، وأدبْه سبعاً ، وصاحبْه سبعاً ، ثم اجعل حبله على غاربه " .والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه فقال :(( إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ ، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَاسْتَحْيَيْتُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هِيَ النَّخْلَةُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّه ِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي ، فَقَالَ : لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا)). [ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد عن عبدُ الله بن عمر]
آدابُ الإسلام تهدف إلى العلم الذي يحقِّق الفائدةَ للفرد والسعادة للجماعة والسلام للعالم :
|
أخوتي المؤمنين ، أعزائي المستمعين ، حق التعليم ، ولأنّ الإسلام يرغِّب في العلم والتعليم ، فطلبُ العلم فريضة على كل مسلم ، أي على كل شخص مسلم ، ذكر كان أو أنثى ، فهو ليس وقفاً على جنسٍ دون جنسٍ ، ولا طائفةٍ دون أخرى ، إنه قدْر مُشاع ، ومصلحة لكلِّ مَن يتنسّم نسماتِ الحياة ، الذكرُ والأنثى فيه سواء ، والرجل والمرأة تجاهه سيّان ، والمجتمع الذي ينشأ أفرادُه على وعْيٍ ومعرفة ، وعلى هُدى وبصيرة ، وثقافة وعلم ، هو المجتمعُ الحقُّ الذي ينهض به أفرادُه ، وينهضُ هو بأفراده ، ومِن أجل ذلك كانت آدابُ الإسلام تهدف إلى العلم الذي يحقِّق الفائدةَ للفرد ، والسعادة للجماعة ، والسلام للعالم ، فعلِّمواأولادكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم .يتراءى للناس اليومَ أنَّ مَن مَلَك ناصيةَ العلمِ مَلَك ناصيةَ العالَم ، وما يجري في العالم اليوم يؤكد هذه الرؤيا ، فمَن مَلَك العلم ملَك القوة ، ومَن ملَك القوة فَرَضَ إرادته ـ وقد تكون ظالمةً ـ على العالم ، فالحقُّ عند الشاردين عن الله يعني القوةَ ، ليس غير ، والحق عند المؤمنين بالله فهو ما جاء به الوحي في تنزيله ، وما بينّه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته ، وينبغي أن يدعَّم بالقوةِ ، ودعمُه بالقوة أمرٌ تكليفيٌّ لا تكوينيٌّ ، قال تعالى :﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)﴾( سورة الأنفال)
بل إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن القوةَ كلَّ القوةِ في إحكامِ الرمي ، وإصابةِ الهدف ، وهو مقياسٌ خالدٌ للقوة ، وعنصرٌ أساسيٌّ في كسبِ المعارك ، مهما اختلفت أنواعُ الأسلحة ، وتطورتْ مستوياتُها الفنيةْ ، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ :((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ)). [ رواه مسلم َعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ]
وعَنهُ أَيْضاً :((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صُنْعِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِيَ بِهِ وَمُنَبِّلَهُ)) .[ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه َعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ]