أول حق من حقوق الطفل على أبيه أن يحسن اختيار أمِّه :
|
أيها الأخوة المستمعون ، أيتها الأخوات المستمعات ، أول حقوق الطفل على أبيه أن يحسن اختيار أمِّه ، لأنّ الإسلام لم يهتمَّ بالطفل بدءاً من مولده ، بل إنه يرعاه فكرة ، ويحضنه غيباً ، ويخطِّط مستقبلَه ، ولم يَزَلْ أمنيّةً هائمةً في ضمير الغيب ، فبمجرَّد تفكيرِ الأبِ في الزواج ، وتكوينِ الأسرة ، يحدِّد الإسلامُ له معالمَ الطريق ، والأسرةُ في الإسلام لها نظامٌ بديعٌ غايةً في الحسنِ والنقاء ، ولها خطورُتها ومكانتُها ، ولهذا كان لابدّ للإسلامِ أنْ يصحِّح أوَّلَ لَبِنَةٍ من لبناتها ، والزواج مرحلةٌ أوَّلِيّةٌ في بناءِ الأسرة ، وعنايةُ الإسلامِ بهذه اللبنةِ تعني سلامةَ ما يترتبُ عليها من حياةٍ مستقرةٍ هانئةٍ سعيدةٍ لكلِّ أفرادها .فالإسلام يأمر الرجلَ عند الزواج أن يختارَ الزوجةَ ذاتَ دِينٍ ، فقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) .[ أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]
فلا ينبغي حينئِذٍ أنْ يكونَ جمالُ المرأة ، أو حسبُها ، أو مالُها هو كلَّ شيء ، بل لابد أنْ ينضم إلى كل ذلك الدينُ ، وأن تكون من بيت كريم ؛ لأنّ أولادَها سيرِثون من أخلاقِها وصفاتِها وسلوكها الشيءَ الكثيرَ .وبالمقابل أرشدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أولياءَ المخطوبةِ إلى أنْ يبحثوا عن الخاطب الذي يرضَوْن دِينَه وخُلقَه ؛ ليرعى الأسرة رعايةً كاملةً ، ويؤدِّي حقوقَ الزوجة والأولاد ، قال عليه الصلاة والسلام :(( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ)).[ انفرد به الترمذي عن أبي حاتم المزني ]
وانطلاقاً مِن هذا المبدأ أجاب الخليفةُ عمرُ بنُ الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عن سؤالٍ لأحدِ الأبناء حين سأله :((ما حق الولد على أبيه ؟ قال : أن يحسن انتقاء أمه ، وأن يحسن اسمه ، وأن يعلمه القرآن .. )).[ذكره القرطبي في تفسيره ، وأخرج البزار نحوه ، انظرْ مجمع الزوائد للهيثمي ]
الفرد هو الخليةُ الأولى التي تُنسَج منها الأسرةُ والمجتمعُ والأمَّةُ فبدأ الإسلام بإعداده :
|
من أجل ذلك وجَّهَ الإسلامُ عنايتَه إلى تربيةِ الأبناءِ حتّى يَسعدَ بهم المجتمعُ ، ويسعَدوا هم به ، والإسلامُ وهو ينظِّم حياةَ الفردِ والأسرةِ والمجتمعِ لا ينسى أنَّ هذه كلها أغصانٌ متشابكةٌ ، فأيّ تأثير في أحدها لابدّ أن يؤثِّر في الآخر ، فأخذتْ تعاليمُه السمحةُ تنسِّقُ الخطواتِ ، وتوضِّح المناهجَ ؛ لينشأ مِن مجموعها تقدمٌ متكاملٌ ، أساسُه الإيمانُ والرحمةُ والتعاطفُ والمحبةُ ، فالإسلامُ بهذا يسبق كلَّ محاولةٍ لتقويمِ الفردِ والأسرةِ والمجتمعِ ، باعتبارِ أنّه يزاوج بين خطواتها في ثبات واتِّزان ، على أساسٍ مِن عقيدةٍ وإيمانٍ .ويبدأ الإسلامُ بإعدادِ الفردِ لأنّه الخليةُ الأولى التي تُنسَج منها الأسرةُ والمجتمعُ والأمَّةُ ، وهو الوحدةُ الأساسيةُ التي تشكِّل العنصرَ الأولَ في التكوين العام ، والفردُ ما هو إلا طفلٌ في بدايته ، تشكّله فطرته ، ومكارمُ الأخلاق التي يُربَّى عليها في بيئته ، والقيمُ والمفاهيمُ الإنسانيَّةُ والحضاريةُ التي يتلقَّاها من مجتمعه ، فإذا ما تمَّ تكوينُه في الحياةِ على النَّسَقِ القويمِ، وعلى الصراط المستقيم ، والنهجِ الحكيمِ ، كانت الأسرةُ وهي المجتمعُ الصغيرُ تامَّةَ التكوينِ ، متماسكةَ البنيانِ ، ثم كان المجتمعُ بعد ذلك متقدماً نحوَ أهدافِه ، وكانت الأمةُ قويةَ الدعائمِ ، ثابتةَ الأركانِ .
العناية بالأطفال وحسن معاشرتهم ومعاملتهم واجب على كل إنسان :
|
أخوة الإيمان في كل مكان ؛ الوالدان والمعلِّمون لهما أكبرُ الأثَرِ في بناء نفوسالأولاد ، ويتأثّر الطفلُ أولَ ما يتأثّر بالوالدين اللذين يتَّخذُهُما مثلاً أعلى في سلوكه وحياته ، ولذا وجَبَ على الوالدين ألاَّ يَظهرَا أمامَ أطفالهما إلا بالمظهر الحسن ، والخُلُق المستقيم ، وأن يضربا أمامهم أكرمَ الأمثلة في الأقوال والأفعال .وقد وجَّه الإسلامُ إلى الوالدين إرشاداته السامية ؛ إذ أمَرَهما بالعناية بهم العناية الكاملة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرحمَ الناس بالصبيان ، وقد ورد في السنة الشيءُ الكثيرُ ممَّا يحضُّ على العناية بالأطفال ، وحسن معاشرتهم ومعاملتهم ، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :(( قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالُوا لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ )).[ البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ ]
وقالت أيضاً :(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ)).[ مسلم عَنْ عَائِشَةَ ]
وَحَدَّثَ أَنَسٌ :((أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ)).[ رواه مسلم عن أَنَسٌ ]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ :(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ قَالَ فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ)).[عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ]
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).[ الترمذي عن أَبِي أَيُّوبَ]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : (( أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ)). [ البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ]
قَالَ أَنَسٌ:(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا)).[ البخاري ، واللفظ لمسلم عن أَنَسٌ]
فما أروع ما تضمَّنته هذه الأحاديث .